خالد البوهالي
باحث في الشؤون الدولية
يقول جوزيف غوبلز وزير الدعاية السياسية في حكومة الرايخ، “كلما كبرت الكذبة سهل تصديقها ” ، و في قولة أخرى “اكذب حتى يصدقك الآخرون”. و هذا الشعار رفعته النازية للترويج لأطاريحها وتوجهاتها السياسية لخدمة أهدافها و مطامحها..
و قد نفهم أن الكذب وسيلة يلجأ اليها الساسة لتحقيق مآربهم السياسية عملا بالمبدأ المكيافيلي ” الغاية تبرر الوسيلة”، لكن أن يمتد الكذب إلى النخب المثقفة المفروض فيها أن تكون منزهة عنه، لخدمة أصحاب السياسة و لمصالح ضيقة حسب الطلب، فتلك مصيبة و يطرح اكثر من علامة استفهام حول دور المثقف في الحياة السياسية من حيث كونه فاعلا فيها يحاول تصحيح الاختلالات التي تشوبها، و إعادة توجيه مسارها في حال انحرافها.
قبل أشهر كتب الدكتور و الإعلامي و الباحث الإسرائيلي إيدي كوهين مقالا على موقع مركز بيغن السادات ادعى فيه أن الدول العربية و الإسلامية تعول على إسرائيل إيجاد لقاح لفيروس كورنا كوفيد 19، و قد كتبت في حينه ردا على افترائه المشين في مقال نشره موقع جريدة التبريس بعنوان “أكاذيب إسرائيل لا تنتهي”.
و يبدو أن إيدي كوهين مجبول على الكذب و تزوير الوقائع على أنها حقائق، لدرجة يبدو معها ان الرجل مصاب بمرض الميثومانيا الذي يعني هوس الكذب، تجعل المصاب بها يغلو في أكاذيبه حتى يظن انها حقيقية و يسوقها للناس على أنها كذلك، فكل تغريدات هذا الرجل على السوشيال ميديا تنطوي على أكاذيب يحاول تسويقها لخداع ليس فقط الى الشارع الإسرائيلي، بل و حتى لشعوب العالم الإسلامي و العربي.
منذ أيام نشر إيدي كوهين تغريدة على تويتر ، تضمنت صورة لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، و بيده صورة لمرفأ بيروت و يشير بأصبعه الى مخازن هذا الأخير، مع عبارة لقد أعذر من انذر ، عقب الانفجار الأليم الذي هز المرفأ قبل يومين، و الذي خلف العديد من القتلى و الجرحى في صفوف اللبنانيين.
التغريدة لا تعني غير شيء واحد، هو أن إسرائيل هي من تقف وراء هذا التفجير الذي استهدف مرفأ بيروت، و على هذا الأساس فهي عملية إرهابية ترقى لجريمة إرهاب دولة بموجب أحكام القانون الدولي، و بالتالي يحق للحكومة اللبنانية رفع دعوى قضائية ضد إسرائيل لدى المحكمة الجنائية الدولية. مع المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن التفجيرات.
ربما قد يتساءل البعض عن الدافع الذي حذا بإيدي كوهين الى كتابة هذه التغريدة، فمن جهة هو يريد إرسال رسالة إلى اللبنانيين عامة، و الى حزب الله مفادها أن يد إسرائيل قادرة على أن تطال أي مكان في لبنانو لا أحد بمنأى عن إجرامها، و لا شيء سيمنعها من ذلك، سيما و أنها أعلنت قبل أيام أنها حددت عن طريق مخابراتها العسكرية “امان “مكان تواجد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، و ستقوم باغتياله حسب زعم صحيفة “معاريف” ،و من جهة أخرى رفع شعبية رئيس وزراء كيانه المنهارة، الذي يواجه أحلك لحظات حياته السياسية، بسبب الازمة الاقتصادية و الاجتماعية و ارتفاع عدد ضحايا كورونا كوفيد 19بشكل مهول إذ بلغ 6 آلاف و793 حالة إصابة، من بينها 564 حالة وفاة بمرض “كوفيد-19″، بنسبة وفيات بلغت 0.73%.، حسب ما أفادت به وزارة الصحة الإسرائيلية.
فالمظاهرات ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غدت روتينا يوميا بالنسبة للمواطنين الإسرائيليين، حيث تظاهر مؤخرا حوالي 10000 شخص في القدس و مئات آخرين في مدن أخرى مطالبة إياه بالرحيل حسب صحيفة ” تايمز أو ف إسرائيل”، لأنه لم يعد له شيء يقدمه لهم.سوى العنتريات الفارغة التي لا تهم الإسرائيليين في شيء.
إذن الواضح من التغريدة أنها محاولة لشغل الرأي العام الداخلي في إسرائيل، و صرف انظاره عن الأمور الأساسية التي تشغل باله، إلى جانب فضائح الفساد التي ما زالت تلاحق نتنياهو رغم المناورات السياسية التي يقوم بها للحيلولة دون محاكمته، وإظهاره بمظهر رجل الدولة القوي، رغم أن تاريخه السياسي حافل بالفضائح السياسية.
إيدي كوهين حاول أن ” يكحلها فعماها ” كما يقول المثل المغربي الدارج فقد كشف دون أن يدري أن بلاده هي من تقف وراء هذا الحادث الأليم الذي ألم بلبنان، و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على غباء كوهين و جهله، وبالتالي أبان عن الوجه البشع لدولة الاحتلال التي لا تراعي قوانين و لا أعراف دولية فبالنسبة لها هي حثالة ورق، مثلما كان يردد زعيمهم بن غوريون.
و بناء على ما تقدم، على اللبنانيين توسيع مجال التحقيق في ظروف و ملابسات هذه الكارثة الحزينة، التي المت بشعب لبنان، و إذا ثبت حقا ان إسرائيل هي الفاعل الحقيقي، فما على حكومة لبنان سوى اللجوء إلى القضاء الجنائي الدولي، فأرواح اللبنانيين ليست رخيصة، أما إيدي كوهين فلن تكون هذه آخر أكاذيبه فالرجل غارق في أوحال الكذب من رأسه إلى أخمص قدميه.