في خضم جدال سياسي لما بعد ثورة 20 يونيو، التي خرجت فيها جماهير الشعب المصري، بسبب انسداد الأفق السياسي الذي بدا واضحاً في المشهد المصري، وبسبب ما اعتبر فشلاً في إدارة الحكم من قبل الرئيس مرسي وفريقه وحلفائه من اليمين الديني متمثلاً ببعض التيارات السلفية والجهادية، في خضم ذلك أصبح سؤال إسقاط مشروع الإسلام السياسي في مصر يطرح نفسه بشدّة، بعد أن احتج المجتمع المصري على ما وصف بأنه محاولة لمصادرة المجال العام ضد بقية أطياف الجماعة الوطنية، حيث رأى بعض المراقبين أنّ السلطة الحاكمة حاولت اقتحام المجال الخاص للأفراد والجماعات، وهو ما تمثل في محاولات لفرض أسلوب معيّن من الحياة والسلوك على الآخرين، ولعل نشوب حوادث متفرقة من العنف الأهلي، وتصاعدها بوتيرة تثير القلق أثارت الخوف من أن تتطور إلى نزاع أهلي واسع النطاق قد تصعب السيطرة عليه، أبلغ دليل على ذلك، وهو ما استتبع تدخل الجيش باعتباره قوة فوقية Superior Force، تمتلك من قوة القهر والإرغام ما يكفي لفرض حل ما في ظلّ هذا الوضع المتجمد.
لفت انتباه الكاتب المصري “أحمد محمد أبو زيد” ملاحظة غريبة، وهي أنه عند الحديث عن التداعيات الاستراتيجية لأيّ حدث محلي يتسابق المحللون والمراقبون في تسليط الأضواء تماماً على العوامل والمتغيرات النظمية (Systematic Variables) دون غيرها من المتغيرات التي تقع على مستوى الوحدات،(Unit Level) على الرغم من أنّ هذه الأخيرة هي التي تسببت في وقوع أو فيما سيقع في المستقبل من تداعيات وانعكاسات خارجية، كما أنّ الكثير من المحللين والمراقبين لم يهتموا بدراسة أو بتحليل تداعيات سقوط أو إسقاط مشروع الإسلام السياسي في مصر (ممثلاً في حكم الإخوان المسلمين) على مستقبل الدولة المصرية، وعلى الأوضاع الإقليمية والدولية، إذ أنّ جلّ ما كتب حتى الآن لا يتعدّى كونه قراءات انطباعية أو استنتاجات وتنبؤات بما قد يحدث في الغد، أو ما هي تداعيات هذا الحدث على علاقات مصر الخارجية (خصوصاً الإقليمية).
حاول الكاتب المصري أحمد محمد من خلال هذه الدراسة الموسومة بـ “التداعيات الاستراتيجية لانحسار مشروع الإسلام السياسي في مصر” تقديم قراءة نظرية للتداعيات والانعكاسات الاستراتيجية لإسقاط مشروع الإسلام السياسي في مصر، كمتغير من مستوى التحليل الأول والثاني، كما تساءل كيف يمكن أن يؤثر هذا السقوط على البيئات الخارجية (الإقليمية والدولية) خلال السنوات الخمس القادمة، مع الأخذ في الاعتبار تأثير البيئات الإقليمية والدولية على تحديد مصير ومآلات هذه التحولات الداخلية.
وناقش أحمد محمد الجدل النظري الدائر داخل أروقة مدارس العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية منذ نهاية الحرب الباردة وحتى وقتنا الراهن، حول تأثير المتغيرات المحلية على البيئات الخارجية، منطلقاً من مقولة رئيسة مؤداها “أنّ التحولات الخارجية ما هي إلا انعكاسات واستجابات للتحولات الداخلية‘”، وهو ما يعني بالضرورة أنّ ما يقع في الداخل هو المتغير المستقل، والتغيرات والتحولات الخارجية هي المتغير التابع.
نزهة صادق