بـــقلم: خـــالد الــبوهـالـي
باحث في الشؤون الدولية
سيسجل تاريخ العلاقات الدولية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حطم الرقم القياسي في الانسحاب الأحادي الجانب من المعاهدات الدولية، وهي في ظني سابقة من نوعها في العلاقات الدولية.
و لو كان هناك كتاب خاص بالأرقام القياسية متصل بالسياسة الدولية و صناعها، لاستحق ترامب شرف التسجيل كأول زعيم لدولة عظمى ينسحب من الاتفاقيات الدولية من جانب واحد. لأن الرئيس دونالد ترامب أصبحت لديه هواية التملص من الاتفاقيات الدولية التي لا تناسب و أهواء بلاده،و إن كان القانون الدولي يمنح الحق لأي دولة بالخروج من المعاهدة
فبعد الانسحاب من الاتفاق النووي الإيرانيواتفاقية سالت 3 للحد من الصواريخ الاستراتيجية مع روسيا، يفاجئ الرئيس دونالد ترامب العالم بخبر انسحابه من اتفاقية الأجواء المفتوحة المبرمة مع جمهورية روسيا الاتحادية. بدعوى خرق روسيا للاتفاقية، فماهي مضامين هذه الاتفاقية ؟ و ما هي خلفيات انسحاب ترامب من هذه المعاهدة؟
تاريخ إقرار اتفاقية الأجواء المفتوحة
يعود تاريخ إقرار هذه الاتفاقية الى 24مارس سنة 1992 والتي أطلق عليها معاهدة الأجواءالمفتوحة Treaty on Open Skiesوالتي تسمح بموجبها لكل دولة عضو في الاتفاقية الحق في القيام برحلات استطلاعية جوية قصيرة الأجل شريطة ألا تكون مسلحة فوق مناطق الدول الأخرى الموقعة على المعاهدة، على أن يتم إشعار الطرف الأخر بذلك بوقت قصيرـ كما تُمكِّن كذلك من إجراء مسح جوي بقصد جمع المعلومات والصور حول بعض المنشآت والأنشطة العسكرية.كما أن طائرات المراقبة المستخدمة في عمليات تحليق المهمات يجب أن تكون مزودة بأجهزة استشعار تجعل من الطرف المراقب تحديد المعدات العسكرية الرئيسية على سبيل المثال المقاتلات الجوية والمدفعية والمدرعات.
و تقوم هذه الاتفاقية على فكرة مفادها انه كلما عرف الطرفان المتصارعان بعضهما البعض قلت احتمالية الصراع بينهما، و الأمر هنا لا يتعلق باتفاقية ثنائية بل هي اتفاقية متعددة الأطراف غالبية موقعيها من دول أعضاء في حلف الناتو.
أسباب انسحاب ترامب من المعاهدة
الرئيس دونالد ترامب يدرك جيدا أن مستقبله السياسي أصبح على كف عفريت، نتيجة التخبط و العشوائية التي طبعت سياسته في تدبير وإدارته لأزمة كورونا والتي جرّت عليه وعلى إدارته انتقادات الرأي العام الأمريكي، كما ان حالة الاقتصاد الأمريكي لا تبعث على الارتياح فحسب موقع البي بي سي عربي فقد سجل الاقتصاد الأمريكي انحدارا بمعدل سنوي قدره 4.8 في المئة وفقا للأرقام الرسمية. وهو الأسوأ له منذ عام 2008. فضلا على تقديم 26 مليون مواطن أمريكي طلب إعانة بطالة.
كما أن مجلس الاحتياط الفيدرالي أصدر في الشهر الماضي بيانا يعلن فيه أن أزمة الصحة العامة المستمرة سيكون لها تأثير كبير على النشاط الاقتصادي والتوظيف والتضخم على المدى القريب، وستطرح مخاطر كبيرة في التوقعات الاقتصادية على المدى المتوسط.
وعلاوة على ذلك فالتصريحات و التهديدات التي يطلقها ثم يتراجع عنها جعلت البعض يسائل الصحة العقلية للرئيس دونالد ترامب و مدى قدرته على قيادة بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال تصريحاته خلال لقاء صحفي بحقن مرضى كوفيد 19 بالمعقمات ثم يتراجع عنها بعد انفض الصحفيون من المؤتمر الصحفي بدعوى انها فقط كانت مزحة ثم تهديداته بوقف الدعم عن منطمة الصحة العالمية بذريعة تواطئها مع الصين – رغم ان موظفين أمريكيين ساميين يشتغلون بها– حول فيروس كورونا، غير انه ما لبث ان تراجع عن هذا التهديد،
أمام هاته العوامل التي ذكرناها،لم يعد لدونالد ترامب شيء يقدمه للأمريكيين سوى اللجوء الى سياسة الهروب الى الامام لإلهاء الشعب الأمريكي عن همومه و انشغالاته اليومية.وذلك بالخروج من الاتفاقية بعد فشله في تهديد الصين وإجبارها على دفع تعويضات حول مسؤولية مزعومة للصين في ازمة كورونا و صناعتها لهذا الفيروس،رغم أن الدراسات و مراكز الأبحاث المخبرية و أجهزة الاستخبارات الامريكية و حتى رئاسة أركان الجيوش الأمريكية شددت على ان فيروس كورونا هو فيروس طبيعي،
دونالد ترامب بانسحابه من الاتفاقية يريد إرسال رسالة تخويف إلى الشعب الأمريكي بأن روسيا تشكل مصدر تهديد لهم و أنه حريص على أمنهم و هي نفس الاستراتيجية التي تبناها سلفه الرئيس جورج بوش الابن في مواجهة منافسه الديمقراطي جون كيري خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2004 عنما بث خطابا لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، مما جعل بوش يفوز بولاية ثانية. إذن فالهاجس الانتخابي لدى ترامب هو الدافع الرئيسي لهكذا قرارات ليبقى السؤال مطروحا هل سيفوز ترامب برغم كل موجات الفشل العاتية المتلاطمة التي تعصف بسفينته؟ ام أنها ستجذبها الى القعر كما يفعل مثلث البرمودا بالسفن التي تمر بمحاذاته؟ لننتظر و نرى.