أثارَت رئيسة تحرير إحدى المَجـــلات العربية في لقاء تلفزيوني مضى، غضب عدد من الصحافيات السعوديات، إذ وجهت لهن اتِّهاما مَفادُه بأنهن، حين يحْضُرن لتغطيات صحافية، ينصبُّ اهتمامُهن على الجلوس إلى موائد الطعام و البوفيه المُقدَّم، دون الالتفات إلى موضوع التغطية الذي جئْن من أجْله .
و يبدو أن الصحافيات السعوديات، رغم انْتمائهِن إلى بلد غنيٍّ مثل السعودية، يتشاركن مع بعض “زملائهن” الصحافيين الطنجاويين و الطنجاويات، عادةَ التزاحم على المواقع التي يُقدم فيها الطعام و المشروبات بأنواعها، بشكل يجْعلُنا نعْتقد بأن مُعْظم الصحافيين قد أصيبوا بالعدوى التي أصيب بها “أشعب الطماع”، ذلك الذي تحدثت عن ممارساته كتبُ الأدب في ظَهر الإسلام.
الواقع أن هذه الممارسات “الأشعبية” لبعض “الزملاء” و”الزميلات”، تذكرنا مرَّة أخرى بضرورة التساؤل المشروع: هل أصبح معظم الصحافيين بهذه المدينة مجرد نُسخ متعددة و مشوهة لـ”أشْعَب الطمَّاع”؟ ،أم أن الأمْر لا يعدو أن يكون ظاهرة عابرة لا تسْتحقُّ الانتباه؟
الأكيد أن بعض الجهات، الحكومية و غير الحكومية، أصبحت تتعمد، خلال دعواتها المنابر الإعلامية لتغطية أنشطتها، إعداد وَجَبـــــات الغذاء أو العشاء، وهي، في غالب الأحيـــــان، وجبات دسمة مصحوبة بمشروبات متنوعة، و هذا ما يُنتج تساؤلات دائمة بين “الصحــــافيين”، خلال تناقل خبر تنْظيم لقاء مُعيَّن، ليْس حول أهمية النشاط المُزمع تنظيمُه من طرف تلك الهيئة أو هاته، و درجة أهميته الإعلامية، بل حول وجود “النشاط” نفسه من عدمه، و المقصود بذلك طبعا التساؤل المشروع: حول وجود المأدُبة، و ما يرافقها من سوائل، من عدمهما.
و بتكرار عادَةِ تقديم الوجبَات الغذائية، التي يُدْخلُها مُنظِّمو الأنْشطة في خانة واجب “تكريم” الصحافة و”العناية” بها،تولَّدَ عند بعض الأوساط “الصحفية” ما يشبه الاعتقاد بأن الأمر يتعلَّقُ بعُرْف مُلْزمٍ للجَميع ،عُرْفٌ يقْضي بضرورة إعْداد المآدب، و إلا فلا معْنى لنشاطٍ يُنَظم، يفْتقِدُ “للكاربوهيدرات” و”السعرات الحرارية” اللازمة وجوبا لتحرير المقالات و إنجاز التّغْطيات و “التّعريات” أيضا.
الحقيقة أن الاعْتناء بالصحافة و تكريمَ رجالِها و نِسائِها، بل و شبابِها أيضا، أمرٌ مرغوبٌ فيه، لكن الاعتناء المرغوب و المحمود لا يتمُّ بالضرورة عبْر تنْظيم مأدُبــــات و موائدِ الطعام و اسْتراحات الشاي، لأن ذلك قد يجعَلُ الصَّحافيين كائناتٍ قدْ ينْظُر إليها البعض كائنات “طفيلية” تُمكنُ السَّيطرة عليها ببعْضِ الدهون المُشبعة، أو ببعْض قنينات أو كؤوس الشراب، فالاعتناء الحقيقي بالصحافة يتِمُّ ،وِفْق الراجح من الآراء، عبر تذليل المنافذ المؤدية إلى مصادر الخبر و المعلومة أمام الصحفي، و ليس عبر محاولات “دسمة” غايتُها تدريب الصحفي ليصبح مجرد “أشعبٍ طمّاع” ينتَقِلُ بين الموائد ليملأ بلعومه بقطع الخُبز.
أفكار مثل هذه، لا شك أنها تسعى لجعل الصحافة مختبرا لابتكار أفضل السبل لصناعة السخافة، و أقصر الطرق لإخراس الحقيقة التي يُفْترض في الصحافة الحرة المستقلة أنها صوتٌ لها. !.
محمد العطلاتي.