لم أستطع أن أمنع نفسي من ذرف دمعات نزلت ساخنة على خدي، حين التقتني إسراء، ابنة يوسف الحمديوي الذي اختطف وهو في طريقه إلى عمله، وحين أبلغنا بأنه سيحمل إلى الدار البيضاء من أجل استكمال البحث معه من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، مد لنا المحقق الذي ادعى بأنه قام بالتحقيق معه، محفظته التي كانت تحوي فروضا وامتحانات لتلاميذته الذين لا زالوا ينتظرون عودته، في حين احتفظوا بحاسوبه وهاتفه الشخصي، بعد أن قاموا بتفتيش دقيق لكل البيت الذي يقطنه بحضوره شخصيا و زوجته .
البنت:
حين عدنا إلى البيت، استقبلتنا ابنته إسراء البالغة من العمر حوالي ثلاث سنوات أو أكثر بقليل، حين رأت محفظة أبيها قالت لي: هاء يوسف، مانيدجا يوسف إنو؟؟؟ ارتمت على المحفظة تعانقها، مد لها جدها المحفظة، ثم قمت بمعانقتها عناقا علني أعوض لها لحظات اللقاء اليومي الذي كانت تداومه في كل يوم حين يعود والدها من العمل، أعلم أنها تحبني ولها ذكريات سعيدة جدا معي جعلتها ترقص فرحا في كل مرة تسمع صوتي أو تعلم بزيارتي، لكنني لن أعوض لها أباها وغيابه غير المبرر..
ستكبر هذه الفتاة وستصبح شابة وأما ثم جدة، لتروي حجم المأساة وعدد الدموع التي ذرفت على شاب كانت جريمته الوحيدة هو حبه لوطنه وحبه للخير لكل المغاربة وكل المقهورين والمحكورين بلا استثناء..
الأم:
كانت الأم طريجة الفراش، غير قادرة على الكلام، منهكة، مفجوعة، مصدومة…ارتفع منسوب الدموع حتى جفت في عينيها.. صامتة تنظر إلى الوجوه والأطياف ولكنها لا تراها، ولا ترى سوى صورة ابنها الذي تعلم براءته وتؤمن بأن الله أكبر من كل شيء، وتدرك أنه أرحم الراحمين.
الزوجة:
خوف، بكاء وحزن، وسؤال واحد يطرح: لماذا؟؟؟ دموع تذرف، وأمل على أن لايطول الغياب والفراق مع رفيق العمر، واعية ببراءة حبيبها الذي انتزع منها انتزاعا، تعلم أن النوم سيهجر الأجفان وتتذكر شخصا كان يملأها حبا وعطفا وحنانا.. وتفتح باب الانتظار على أمل العودة القريبة.
الأب:
برودة أعصاب، واستنكار لما يحدث ويجري لخيرة شباب هذا البلد، همه الوحيد هو أن يعرف مصير ابنه، متيقن من براءة ابنه مما قد ينسب إليه. يلهي نفسه بأمور كان يقوم بها دائما، يعتني بحيواناته، لكنه يبكي ويتألم في صمت، قوي، شجاع. حكمة، واستعداد لأن يغفر ويسامح، من أجل التغيير إلى الأحسن والأجمل.
أنا: الله وحده يعلم ما بداخلي، لكن الشيء المؤكد أن الشيب غزا لحيتي بشكل مكثف وتضاعف في مدة 24 ساعة، حلقت لحيتي حتى لا يزيد الشيب أكثر هههه، شر البلية ما يضحك. أبكي خفية، وأغسل وجهي في كل مرة، وهاتف لم ينقطع عن الرنين…لكنني صامد وصلب.
الآخرون: الإخوة، الأخوات، الأعمام، الأخوال، العمات، أبناء العمات والخالات، الجيران، الأصدقاء، الزملاء في العمل، العالم كله… كل يحمل غمة في قلبه يفجرها بالبكاء الاستنكار.. الله جميل، إن الله جميل جميل جميل.
في الصورة: يوسف الحمدوي رفقة قرة عينه إسراء الحمديوي