بقلم: إبراهيم مومي: بعد انعقاد المجلس الوزاري الذي ترأسه الملك بقصره بالدار البيضاء يوم الأحد 25 يونيو 2017؛ ومن خلال خلاصاته التي جاءت مضمنة في البلاغ، و التي عبر فيها الملك عن استيائه و انزعاجه و قلقه عن عدم تنفيذ المشاريع التنموية المخصصة لإقليم الحسيمة و المضمنة في ما يعرف بـ “برنامج الحسيمة منارة المتوسط” الذي وقع تحت رئاسته الفعلية، بتطوان في أكتوبر 2015، في الآجال المحددة لها؛ و ما تبع ذلك من إصدار تعليماته قصد القيام بالأبحاث و التحريات بشأن التعثر الحاصل في إنجاز المتعين إنجازه من هذا البرنامج التنموي، مع تحديد المسؤوليات في تقرير تعده كل من المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية و المفتشية العامة للمالية في أقرب الآجال؛ استبشر جزء واسع من الرأي العام الوطني و المحلي خيرا بصدور هذا القرار الملكي الذي يسعى إلى تفعيل مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور، وكذا الفقرة الثانية من الفصل 154 من الدستور و المتعلقتين بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، و اعتبار ذلك إشارة صريحة بتطبيق القانون على كل مسؤول يمتطي الشطط في استعمال السلطة و يحيد عن الغاية الجوهرية من تبوأ مناصب المسؤولية و المتمثلة في تحقيق المصلحة العامة .
هذا القرار الرقابي الصادر عن رئاسة الدولة سيتزامن مع الدعوة الرائجة بين نشطاء الحراك الشعبي بإقليم الحسيمة إلى تنظيم مسيرة “الحزن” يوم عيد الفطر بمدينة الحسيمة احتجاجا على استمرار اعتقال نشطاء الحراك، وتضامنا مع أمهاتهم و أبنائهم في هذه المحنة. وتبعا لذلك؛ و في سياق تقاطر ساكنة الإقليم و ضواحيها على مدينة الحسيمة، و استعدادا لتنظيم المسيرة السابقة الذكر؛ سيسجل التاريخ أن في مساء عيد الفطر الذي وافق يومه الإثنين 01 شوال 1438هـ / الموافق 26 يونيو 2017 قد حادت فيه السلطة الحكومية المكلفة بحفظ النظام العام عن العمق الفلسفي للقرار الملكي السالف الذكر الذي يوحي على مشروعية الاحتجاجات و يعزز سندها؛ حيث اتجهت هذه السلطة إلى ركوب متن الشطط و ممارسة اعتداء مادي جسيم على الحريات الأساسية من خلال تكثيف السدود القضائية و الأمنية على جميع المداخل المؤدية لمدينة الحسيمة؛ بهدف ممارسة حضر شبه مطبق لحركية السكان المتجهة نحو الحسيمة؛ و العمل من أجل ذلك، على اعتراض سبيل سيارات الأجرة و إخلائها من راكبيها، و الإمعان في ذلك، من خلال منع سيارات الملك الخاص من ولوج المدينة مع ما يعنيه ذلك من منع صلة الرحم مع العائلات و الأقارب، و ما صاحب ذلك من المعاملة السيئة و اللاإنسانية و الحاطة بكرامة الإنسان. و عند انطلاق المسيرة استعانت القوات العمومية في تفريقها _ من غير تطبيق لمساطر قانونية ذات الصلة_ بمختلف أساليب العنف غير المشروع سواء تعلق الأمر باستعمال الغازات المسيلة للدموع بأسلوب و مكان غير مناسبين، أو الهروات و العصي التي لم تستثن في ضرباتها المحدثة للجروح و الرضوض و الخدوش النساء و الأطفال و كبار السن، إضافة إلى السحل و السب و الشتم و مختلف ضروب الإهانة. لم تكتف سلطة الضبط المشتطة بما ذكر سابقا؛ بل تجاوزتها إلى مباشرة اعتقالات عشوائية بلغت العشرات حسب شهود عيان، و توقيفهم بشكل يوحي و كأنهم مدانين و ليس كمتهمين على قاعدة قرينة البراءة، و تتويج ذلك بحضر تجوال عملي و غير معلن عنه في مجمل مناطق المدينة.
و تأسيسا عليه؛ نؤكد على أن المقاربة الأمنية التي تنهجها السلطة الحكومية بإفراط كبير و خارج قواعد المشروعية في منطقة الريف، باتت تؤسس لسياسة ممنهجة و خطيرة على مستقبل هذا الجزء من الوطن، قد تتسبب في حالة تكرارها في جر المنطقة نحو مآلات مجهولة، لاسيما و أنها تحدث جروحا نفسية قابلة لأن تتوارثها الأجيال و تشكل حلقات مأساوية غير متناهية في تفاصيل الذاكرة الجمعية لأبناء الريف. يحدث هذا الغلو في ممارسة العنف غير المشروع _و الذي يكيف كاعتداء مادي ما دام لم يخضع لمسطرة مشروعة و لا يحقق مصلحة عامة_ في الوقت الذي يطالب فيه نشطاء الحراك و خلفهم ساكنة الإقليم و ضواحيها بإطلاق سراح المعتقلين و تنفيذ الوثيقة المطلبية التي حضيت شرعيتها بإجماع المغاربة بمن فيهم مسؤولو القطاعات الحكومية أنفسهم؛ متخذين من مبدأ السلمية ركيزة أساسية في سلوك الاحتجاج إمعانا في احترام المؤسسات و تأكيدا على الحفاظ على النظام العام.
وعلاقة بما ذكر؛ تثور عدة أسئلة في أذهان الكثير ممن يعايش أو يتابع مسار الحراك الاحتجاجي بالريف في علاقته بردات الفعل الأمنية للدولة [أقصد بالدولة هنا السلطة الحكومية التي تثار ضدها المسؤولية السياسية]:
• لماذا تغامر الدولة من خلال اعتمادها المفرط على المقاربة الأمنية بسمعتها الإقليمية و الدولية في مجال حقوق و حريات الإنسان، رغم أنها كانت تصنف من لدن الآليات الرقابية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ضمن “التجارب الفضلى” في مناسبات كثيرة. حيث أصبحت الآن مثار انتقاد دولي شديد في عدة منابر سياسية وإعلامية و حقوقية؟ هل يتعلق الأمر بحساسية مفرطة تجاه مركز قانوني محتمل للريف ضمن السياسة الاستراتيجية للدولة، من حيث توهمها بوجود فكرة الانفصال في اللاوعي الجمعي لدى ساكنة الريف، وبالتالي محاولة إخضاعه (أي الريف) و لو على حساب ما راكمته الدولة المغربية من خطوات إيجابية في مجال حقوق و حريات المواطنين؛ رغم أن ساكنة هذا الجزء من الوطن عبرت بصوت عالي عن تشبثها بوحدة المصير في ظل وطن موحد و متنوع، من خلال مسيرة 18 ماي التاريخية؟
• ما الذي يجعل الدولة تغامر بالسلم الاجتماعي و بمستقبل المنطقة لا قدر الله؛ عندما تمارس سياسة الرفض العملي في تعاطيها مع الحراك الشعبي؛ حيث ترفض الحوار مع نشطاء الحراك الشعبي، وترفض إطلاق سراح المعتقلين القابعين في السجون على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات، وترفض إيقاف مسلسل المتابعات القضائية و الاعتقالات العشوائية، وترفض التخلي عن المقاربة الأمنية في مواجهتها لسيل الاحتجاجات المتدفقة في شواع مدن و بلدات الإقليم، وقبل ذلك؛ ظلت ترفض الإنصات لمطالب الحراك الاجتماعي قبل سبعة أشهر من انطلاق وهج الاحتجاجات؟
• ما الذي يمنع الدولة من كسب الرهان في منطقة الريف من خلال العمل على إطلاقها سراح جميع المعتقلين و توقيف المتابعات القضائية ضدهم رغم توفرها على خيارات عديدة، منها، العفو التشريعي العام الذي يصدره البرلمان طبقا للفصل (71) من الدستور؛ العفو العام الذي تصدره الحكومة طبقا للفصل (49) من الدستور؛ إضافة إلى العفو الملكي طبقا للفصل (58) من الدستور؟ دون الحديث عن الإمكانات التي يخولها قانون المسطرة الجنائية للسلطة المشرفة على النيابة العامة؟
• هذا التشدد الحكومي تجاه حراك الريف، هل يستمد دافعيته من تعنت نشطاء الحراك و عدم خضوعهم لجميع أشكال المقاربة الأمنية التي تنهجها الدولة؟ أم أن الأمر يرتبط بتصفية حسابات سياسية مع أطراف لهم وقع تنافسي في الساحة السياسية، و ما الريف إلا مسرحا مجاليا لها نظرا لبروز شروط مساعدة؟
• ما هو الأفق المنظور لمستقبل المنطقة في ظل صمود الحراك الشعبي و إصراره على مواصلة النضال من أجل إطلاق سراح جميع المعتقلين و تنفيذ الوثيقة المطلبية من جهة؛ و تعنت السلطة الحكومية في عدم تجاوبها مع مطالب الحراك و إمعانها في نهج المقاربة الأمنية من جهة أخرى؟
و ختاما؛ أظن أن الأمل بتوافق إرادة الدولة مع إرادة الحراك في إطلاق سراح المعتقلين و تنفيذ الملف المطلبي لا زال قائما، و نأمل أن يزكيه و يعضده التقرير الذي ستعده كل من المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية و المفتشية العامة للمالية و الذي سيرفع إلى رئاسة الدولة؛ و من خلاله قد تتشكل قناعة منطقية أو وجدانية لدى الملك بعدالة قضية الريف براءة نشطائها، و ربما قد يشكل هذا المنحى المفترض مدخلا أساسيا لإقرار مصالحة حقيقية مع الريف بما يضمن إعادة توازنه كجهة تاريخية من جهات الوطن الموحد و المتنوع.