محمد العربي هروشي
لن يجادل أحد في القرار السليم الذي اتخذته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بتوقيف الدراسة احترازا ووقاية من هجوم وحش لا يرحم ، وحش متخفي متجلي بيننا متى وأين ومع من شاء .
وهو القرار الذي تبعته قرارات لاحقة في بلاغات وزارة التربية الوطنية إلى أن استقر رأيها على التعليم عن بعد تحقيقا للتعلمات التي وجب استكمالها لإنهاء المقررات استعدادا للامتحانات ، و أيضا لضمان الحجر الصحي للتلاميذ وأساتذتهم وقد استثنى من تقتضي الضرورة حضورهم إلى مقر عملهم منذ 16 مارس إلى غابة 20 من أبريل 2020و منهم بعض من طاقم الإدارة التربوية الذي بقي مصير مرسوم تسمية فئة منه (فئة الإسناد )معلق دون تعليل وجيه .
(و هو تاريخ نظن أنه قابل للمراجعة تبعا لدرجة التحكم قي كبح جماح فيروس كوفيد 19 ) الكل يعلم التكلفة الباهضة االناجمة عن الحجر الصحي نفسيا وماديا بالنسبة للأفراد وللأسر المغربية ،إلا أن حجم المخاطر التي تهدد الحق في الحياة يفرض القبول بالصعب بدل الأصعب ،والامتثال المطلق لتعليمات الجهات الصحية والأمنية التي باتت على خط النار في الصف الأول مما ،يفرض علينا في هذا المقام الانحناء إجلالا واعترافا وتقديرا لما يقومون به من جسيم التضحيات فداء لحياتنا ، والآن وكورونا بين أضلعنا ،هل من دروس نستخلصها ومن ثمة نعمل على الأخذ بها إبان مغرب ما بعد كورونا و سنقتصر على صعيد التعليم في هذا المقال المقتضب .
إن أول درس وجب أخذه بعين الاعتبار أن التعليم ليس موضوعا للمزايدة أيا كانت طبيعتها سياسية إيديولوجية إلخ …سوى توافق مختلف مشارب الأمة المغربية بتعدد روافدها الثقافية والاجتماعية على النموذج التعليمي الذي يجب على الدولة تبنيه مهما تنوعت الألوان السياسية للحكومات التي ستتعاقب على تدبير الشأن العام ،أي ذلك التعليم الذي على السياسات العمومية العمل على تنفيذه ضمن استراتيجية وطنية مواطنة لا تخضع لا للتميز الطبقي ولا لأي اعتبار آخر سوى بناء المواطن المغربي على قدم المساواة في الحصول على ذات الجودة و وبفرص متكافئة بين المجالين الحضري والقروي .
أما ثاني درس يتعين أخذه يتجلى في كون أن الروح التي أبان عنها نساء و رجال التعليم في كل الأسلاك والمواقع ،تجعلنا نرفع القبعة عاليا لهن ولهم وهم يجاهدون من منازلهم بوسائلهم الخاصة ، وإن كانت الوزارة هيأت ما استطاعت إليه سبيلا من أطقم ودروس وبرامج رقمية عن بعد أو بالتوسل بالقناة الرابعة التي تبث الدروس في المنازل تعويضا للدروس الحضورية ، ومع الاعتراف بأن الإجراء والجهد الذين بذلتهما الوزارة جبار ،خصوصا وأن الأمر فوق إمكانياتها و توقعاتها لمباغثة الفيروس كوفيد 19،فإن السؤال المطروح :
هل يمكن للوزارة أن تفكر من هنا فصاعدا في خلق مصلحة قارة لإعطاء الدروس عن بعد عبر وحداتها الجهوية والإقليمية (الأكاديميات والمديريات الإليمية )مع الإعداد الجاد بالتكوين المستمر لنساء ورجال التعليم في المجال الرقمي؟
ثالثة الأثافي ،وهو درس ، لا يقل أهمية عن سابقيه ويتجلى في طرق الاستثمار في هذا القطاع الذي عرى فيه فيروس كورونا على طبيعة بعض المستثمرين الجشعين الذين لا هم لهم سوى الربح المرتفع والسريع بعيدا عن أي أخلاقية أو حس وطني ،ولذلك يتطلب الآن رد الاعتبار للمدرسة العمومية أولا وأخيرا،لأن منطق المقاولة لا يستقيم مع الأهداف السامية لرسالة التعليم .
ونود اختتام هذا المقال المركز بالإشارة إلى قرار رئيس الحكومة الذي عجل به لسانه وهو يستثني هذه الفئة من حق دستوري ونظامي المتجسد في الحق في الترقية ،فبدل من أن يخص نساء ورجال التعليم بمكافأة ترفع من هممهم و حماسهم ( وهو الطبيب النفساني ) مما يتطلب منه الأمر تقديم الاعتذار والرجوع عن هذا القرار المجحف ،يلجأ إلى امتصاص حقهم الطبيعي في الترقية مميزا فئات عن أخرى وهم في خندق واحد أمام هذا الوحش الفتاك ذاته ،ووحش آخر منذور لهيئة التعليم ، لا يقل خطورة وافتراسا عن سابقه ،ألا وهو الجهل المقدس الذي يتربص بالأجيال المقبلة .