بقلم : خالد البوهـــــالـــي
باحث في الشؤون الدولية
يبدو أن الأمور داخل الإدارة في الولايات المتحدة الأمريكية ليست على ما يرام، فالمؤشرات كلها تدل على أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعيش على وقع الاهتزازات والاعتلالات التي أصابت جسم هذه الإدارة، إثر أزمة كورونا كوفيد 19 و قضية مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد ذي الأصل الإفريقي على يد الشرطي ديريك شوفين و أربعة من زملائه. ولم تجد حلا تلجأ إليه سوى نهج سياسة الهروب الى الأمام و افتعال أزمة خارجية لتشتيت انظار الرأي العام الأمريكي الذي لم تعد تنطلي عليه مثل هذه الالاعيب، فقد استفاق من مخدر اسمه القيم الأمريكية العريقة التي طالما تغنى بها ساستهم و أدعياءهم من الليبراليين. كيف ذلك؟
قبل يومين، صرح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مقابلة له على قناة فوكس نيوز، بأن التقدم العسكري الصيني يمثل تهديدا محتملا للولايات المتحدة الأمريكية و لحلفائها الغربيين. و أن الصين تقوم باستغلال جريمة مقتل جورج فلويد، و ذهب إلى أبعد في تصريحاته بتشبيه الحزب الشيوعي الصيني بالنازية، فبقدر ما يحمل هذا التصريح العديد من الافتراءات و الكذب، بقدر ما يبعث على السخرية.
حقيقة التهديد الصيني لأمريكا
لا يختلف اثنان على ان الصين حققت تقدما هاما على المستوى العسكري في السنوات الأخيرة، ساعدها في ذلك قوة اقتصادها، الذي أصبح ينافس بقوة الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة الى تعاونها و شراكتها الاستراتيجية مع روسيا على جميع الأصعدة بما فيها الصعيد العسكري، حيث تعتبر هذه الأخيرة هي المُوَرِّد الرئيسي للأسلحة الى الصين، علاوة على المناورات العسكرية التي يجريها البلدان بشكل دوري، وغاية الصين من ذلك هي رفع جهوزية و كفاءة القوات المسلحة الصينية بكافة أفرعها الرئيسية البرية و الجوية والبحرية، و العمل على تطوير قدراتها حتى تصبح قادرة على مسايرة و مواكبة التحولات التي بات يعرفها ميدان تكنولوجيا الحرب الحديثة و كذلك المتغيرات التي تطرأ على الساحة الدولية المتقلبة، رغم أن ميزانية الدفاع لجمهورية الصين الشعبية تقل عن نظيرتها الأمريكية إذ تبلغ حوالي 170 مليار دولار.
وإذا نظرنا إلى العقيدة العسكرية الصينية في مجملها، مقارنة مع العقيدة العسكرية للولايات المتحدة، نجدها أنها عقيدة دفاعية محضة، و ليست هجومية، فهي تروم الدفاع عن حدود البلاد البرية و البحرية، مع استرجاع الأراضي غير المحررة، و يقصد به تايوان أو الصين الوطنية كما يطلق عليها، و التي تعتبرها الصين جزءا تاريخيا من البر الصيني.
و يستشف من أدبيات العقيدة العسكرية الصينية، أنها لا ترتكز على الانتشار و إنشاء قواعد عسكرية عبر العالم، بمعنى أنها لا تروم المشاركة في العمليات القتالية خارج التراب الصيني أو التهديد باستعمال القوة في علاقاتها الدولية، كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، باستثناء المشاركة في عمليات حفظ السلام الدولية بدارفور و جنوب السودان، فضلا على المشاركة في عمليات مكافحة القرصنة في بحر العرب و المحيط الهندي. و لهذا الغرض أرسلت الصين مؤخرا الأسطول رقم 35 التابع للبحرية الصينية و ضم مدمرة الصواريخ الموجهة “تاييوان”، وفرقاطة الصواريخ “جينغتشو”، وسفينة الإمداد “تشاوهو”،و أكثر من 690 ضابطا وجنديا وعشرات الجنود من قوات العمليات الخاصة ومروحيتين و الغرض من إرسالها قصد حماية السفن التجارية، لأن الاقتصاد الصيني يعتمد في معاملاته التجارية على الملاحة البحرية.
استغلال الصين لقضية مقتل جورد فلويد
شكل مقتل المواطن الأمريكي من ذوي البشرة السوداء جورج فلويد صدمة ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية و إنما في العالم بأسره، نظرا لبشاعة الجريمة التي ارتكبها قاتلوه دون رحمة. في بلد يروج ساساته لثقافة حقوق الانسان و قيم الحرية و المساواة رغم أن الواقع شيء آخر.
كما أن الصين لم تسلم يوما من الانتقادات الأمريكية حول أوضاع حقوق الانسان في الصين، الذي أصبح وسيلة للابتزاز السياسي و الاقتصادي من طرف الدول الغربية للدول التي تسميها بالمارقة.
و للأمانة فقط، فالصين لم تَدَّعِ يوما أنها بلد ديمقراطي، و لم تتشدق بها كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، فالصين منذ الثورة الصينية التي قادها ماوتسي تونغ تبنت الشيوعية الماوية فكرا وممارسة في طريقة إدارتها لشؤون البلاد، سواء اتفق معها البعض أم اختلف معها.
فمقتل جورج فلويد مثل فضيحة أخلاقية لأمريكا، و تعرضت بسببها للانتقادات حتى من أقرب حلفائها الغربيين، ألمانيا و بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بل و دعموا حق التظاهر في حين اعتبرتهم حكومة بلادهم من مثيري الشغب و عملاء الخارج، بل ووصل الأمر بالرئيس دونالد ترامب الى التهديد بقنص المتظاهرين و استعمال الكلاب الشرسة في حقهم. و أكثر من ذلك هو التلويح بإنزال الجيش الأمريكي لإخماد التظاهرات.
و ربما استغلت الصين قضية مقتل فلويد لكي تبعث برسالة صينية ساخرة، مفادها إذا كنتم تتهموننا بالديكتاتورية وانتهاك حقوق الانسان، فها أنتم أصبحتم مثلنا فأين ديمقراطيتكم التي تتشدقون بهاعلينا؟ لذلك عليكم أن تخجلوا من أنفسكم و تخرسوا.
و أصدق مثال على ذلك، هي ردة فعل المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشونينغ عقب تدوينة لنظيرتها الأمريكية مورغان أورتاغوس عبر تويتر التي انتقدت أوضاع حقوق الانسان في الصين فردت عليها هوا تشونينغ بعبارة على تويتر ” لا أستطيع التنفس” دون إضافة كلمة أخرى، و هذه العبارة لها أكثر من دلالة.
تشبيه الحزب الشيوعي الصيني بالحزب النازي
تشبيه مايك بومبيو الحزب الشيوعي الصيني بالنازي ينطوي على مغالطات فضة، بدعوى أن الحزب الشيوعي نكث تعهداته التي قطعها على نفسه، بشأن جزيرة هونغ كونغ، لكنه نسي أن الصين لها حق تطبيق القوانين التي تراها مناسبة لبسط سيادتها على أراضيها، و تعزيز الأمن بها، خصوصا مع تصاعد بعض الدعوات الانفصالية التي تنادي بفصل هونغ كونغ عن الصين، و إعلان دولة مستقلة بها.
أما بخصوص التملص من المعاهدات فيكفي أن رئيسه ترامب حطم الرقم القياسي في التنصل من الاتفاقيات التي يوقعها مع الآخرين، حتى لقبته بعض الصحف بعدو الاتفاقيات، بدءا من الاتفاق النووي مع إيران، ومعاهدة ستارت 3 المتعلقة بالصواريخ الاستراتيجية مع روسيا الاتحادية، و كذلك الانسحاب من منظمة اليونيسكو، و سحب عضويتها من مجلس حقوق الانسان الدولي بدعوى عدائهما لإسرائيل، دون إغفال انسحابها من الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ و التي تضم كلا من استراليا، و كندا، و سلطنة بروناي، و اليابان، و الشيلي، و المكسيك، و بيرو، و فيتنام، و ماليزيا، و نيوزيلندا، فما هو مباح لأمريكا محرم على الدول الأخرى.
و في الختام، إن هذا الثالوث الممزوج بالكذب و الافتراءات لم يعد يصدقه حتى رجل الشارع في أمريكا، فقد استفاق العالم على وهم اسمه الحلم الأمريكي، و شعوب العالم تتطلع الى ضوء في نهاية النفق المظلم الذي جعلت أمريكا العالم يعيش فيه، عالم التوترات و الحروب و الازمات الاقتصادية و إفقار الفقير و إغناء الغني، ما أحوجنا الى نظام دولي عادل يعيش فيه الجميع بسلام و في رخاء، تلك أمانينا فهل ستتحقق؟ آمل ذلك.