بقلم : محمد العطلاتي
لقد مضت حتى الآن، قرابة العقد من الزمان المغربي على أول دستور اعتمد اللغة الأمازيغية لغة رسمية، و من خلال هذا الاعتماد، حاولت الإدارة المغربية الاستجابة لمطالب قديمة أعلن عنها رواد الحركة الثقافية الأمازيغية و المناضلون المدافعون عن هذه الثقافة باعتبارها أصلا في المغرب، لا فرعا من فروعه.
و قد عكست الاستجابة من طرف النظام السياسي المحلي لهذا المطلب الحقوقي العريض، بحسب أغلب المهتمين، مشروعية المطلب من جهة، و أحقيته بالتلبية اعتبارا لتأسيسه على منطلقات موضوعية و دراسات فعلية من جهة أخرى، ففي هذا الأمر اعتراف واضح بواقع ثابت لا يحتاج لبرهان التفسير، وقد اعتقد هؤلاء، سواء بحسن نية منهم أو بسوئها، أن فعل دسترة اللسان الأمازيغي سيجلب، لا محالة، الفائدة الوفيرة للبلد، فاللغة، في كل الأحوال، أداة للتفكير و أداة للإنتاج بمعنى من المعاني، و لا يمكن للفرد أو المجتمع، و الحالة هاته، أن يفكر بلغة و ينتج بأخرى و يتحقق له الفلاح و النجاح، ففي ذلك خلل كبير و حاجز عريض.
بعد مرور حوالي عشر سنوات علىتضمين دستور المملكة إقرارا و اعترافا بالأمازيغيةكلغة رسمية للدولة إلى جانب العربية، و بعد صدور القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، في شهر شتمبر من العام المنصرم، فإن الغاية من الترسيم الدستوري لم تجد بعد طريقها نحو التحقق، لا بالحجم الكبير و لا بالنزر اليسير، و لبث موضوع الدسترة يراوح مكانه و لا يكاد يفي بأي من الأهداف التي أعلنت عنها الدولة من خلال النصوص القانونية و الأدوات التنظيمية، بشكل جعل منه، بحسب رأي معظم المثقفين،مجرد فقاعة صابونية جرى إطلاقها على سبيل التضليل و شكلا من أشكال مغازلة المشاعر و ملاطفة الأحاسيس الجمعية تجاه الثقافة الأصلية للبلد؛ و لعل هذا ما دفع مفكرا بحجم الأستاذ أحمد عصيد للقول بأن الأوان قد حان ” لمحاربة العقليات المستخفّة بكل ما هو ثقافي وهوياتي” فهي، بحسب أحمد عصيد، عقليات ” تعيد تكريس سلوكيات المخزن التقليدي في جميع الممارسات، إذ لا يتمّ التقيد بالقوانين والمساطر القانونية”.
لا شك أن الإدارة، باعتبارها جهازا رئيسيا تمارس من خلاله الدولة تنفيذ سياساتها العمومية، يجب أن يكون منسجما مع ذاته و مستحضرا للأبعاد المختلفة التي يحملها ترسيم اللغة الأمازيغية و كذا العمل وفق قناعات تحترم مبادئ و غايات هذا الترسيم الإيجابية، فهي غايات نبيلة و ربحية في الوقت نفسه، لأن من شأن تنزيله تحقيق الاعتبار للغة الرسمية الثانية، و تحسيس الموظف العمومي بأهمية هذا الترسيم و تحفيزه على الإلمام بلغة البلد الثانية، مع ما ينتج من ذلك من تسهيل للتواصل و اختصار للمسافات بين الإدارة و المرتفقين، و ما يتحقق، عبر ذلك،من شعور بالرضــــا عن و تخلص من قيود الحـــواجز البيروقراطية السخيفة، وهذا في المحصلة عمل مساعد على انتعاش الاستثمارات، ســــواء في شقها المادي أو شقها الأدبي، لكن الواقع خلاف ذلك، فالأمازيغية، أصبحت لدى أساطين الإدارة المغربية و كسلائها، رغم الدسترة و التنظيم، موضوع استهتار، إلى درجة تنقلب معها الآية و يصبح معها الموظف العالم باللغتين الرسميتين للدولة :العربية و الأمازيغية، أقل شأنا و مرتبة من موظف لا يكاد يفقه في العربية حرفا و يجهل لسان الأمازيغ جهلا مطلقا. فكيف و الحالة هذه أن نرتقي بلغة الأحرار؟
لعل الجواب المؤكد الذي يلخص جوهر الإشكال تضمنته المتون الكلاسيكية الممجدة للسان العرب، وهي متون تستظل، كعادتها، بالفيء الوارف الذي توفره لها النصوص الدينية، وهو في كل الأحوال تمجيد ضالٌّ غير مألوف في ألسنة العجم و البربر، ولعل هذا ما دفع الشيرازي للاجتهاد في واحدة من أرجوزاته حول جواز قراءة القرآن بغير لسان العرب فقال:
بِغيْرِ لفْظِ العَربي تَحْرُمُ قِراءةً و أَنْ بِهِ يُتَرْجَمُ( !)