بقلم :خالد البوهالي
كما كان منتظرا، أعلنت روسيا الاتحادية يوم أمس الثلاثاء، على لسان رئيسها فلاديمير بوتين عن تسجيل لقاح مضاد لكورونا كوفيد 19، و الذي من شأنه أن ينقذ ملايين الأرواح ليس في روسيا فحسب، بل في العالم أجمع،و قد أطلق على اللقاح اسم SPUTNIK V نسبة إلى أول قمر صناعي روسي أطلق عام 1957.
الحدث بكل المعاني يشكل سابقة من نوعها سواء من الناحية العلمية، أو التاريخية، أو السياسية، ليس لأنه أدخل روسيا التاريخ من بابه الواسع، كأول دولة في العالم تعلن اكتشافها للقاح، و ستشرع في إنتاجه ابتداء من شهر ستنبر من العام الجاري كما صرح بذلك وزير الصحة الروسي ميخائيل موراشكو، بل أن يتحمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسؤولية إعلانه.
طبعا ان يتحمل رئيس دولة مسؤولية إعلان تسجيل لقاح كورونا كوفيد 19، ليس بالأمر الهين، فحياة الملايين من الشعب الروسي و العالم أصبحت تحت مسؤوليته، و هي مسؤولية سياسية، و أخلاقية، و تاريخية جسيمة، إما ان تسجل بمداد الفخر أو بمداد الهوان له، و تطارده لعنة التاريخ، الى حيث مزبلة هذا الاخير النتنة، فالتاريخ صارم لا يرحم، لا يجامل و لا يهادن أحدا.
لكن ما لا نفهمه هي تلك الحملة الشعواء التي تعرض لها اللقاح الروسي بُعَيْدَ الإعلان عنه، بدءا من التشكيك في نجاعة اللقاح الذي صدر عن منظمة الصحية العالمية، إلى مطالبة جمعية منظمات التجارب السريرية بتأجيل تسجيله.
فمنظمة الصحة العالمية منذ اندلاع أزمة كورونا كان أداؤها متذبذبا، بياناتها و توصياتها لم تزد سوى في تفاقم الإصابات بهذا الفيروس الخبيث عبر أرجاء المعمور، فضلا عن التناقضات التي ميزت تصريحات مسؤوليها، عندما صرح مديرها أنه لا يوجد لقاح فعال لكورونا، ثم عاد و صرح بأنه قد يوجد لقاح فيروس كورونا و هذا ما جعل العالم يقع في حيص بيص.
أما مطالبة جمعية منظمات التجارب السريرية لروسيا – و هي هيئة تجارية تمثل أكبر شركات الأدوية في العالم، والتي تخضع لهذه الأخيرة- بتأجيل تسجيل اللقاح إلى حين اكتمال المراحل النهائية من التجارب بنجاح. ليس منبعه الحرص على حياة البشرية من المضاعفات الجانبية، التي يمكن أن يفرزها هذا اللقاح في حالة تطعيم الروس به أو غيرهم، بل لكسب مزيد من الوقت حتى يتسنى لشركات الادوية الغربية استكمال تجاربها، و الإعلان عن النتائج في الوقت المناسب بشكل يفاجئ روسيا و يفوت الفرصة عليها من نيل السبق في ذلك.
إذن حلبة الصراع انتقلت من سوح السياسة و الاقتصاد إلى عالم صناعة الأدوية عبر شركات الأدوية، فمن يجد اللقاح الفعال أولا سيتمكن من تحقيق مكاسب سياسية و اقتصادية هائلة تعزز من نفوذه و تأثيره في المشهد الدولي، و هذا الأمر يدركه الجميع، لهذا تسارع الدول العظمى في العالم لاختراع لقاح مضاد لهذا الفيروس،سيما و أن دول العالم بلا استثناء، أصبح مصيرها مرهونا بإيجاد اللقاح المضاد لكورونا، للخروج من أزماتها الاقتصادية و الاجتماعية التي أنهكتها تداعيات هذا الفيروس القاتل.
لا ريب في أن الإعلان الروسي أطار لب شركات الأدوية في الغرب، خصوصا إذا علمنا أن العديد من الدول عبرت عن رغبتها في اقتناء اللقاح الروسي لتجريبه على مواطنيها، و هذا سر الحملة ضد روسيا، لأن الإعلان الروسي من حيث توقيته أربك حسابات شركات الأدوية الغربية، التي كانت تطمح إلى تحقيق أرباح خيالية من وراء انتاجها لهذا اللقاح ربما قد يفوق سعر ما قد تحدده روسيا لمنتوجها. فالأمبريالية العالمية لن تتورع في استعمال اللقاح لابتزاز الدول و فرض اجندات سياسية واقتصادية عليها. و ما التشكيك في فاعلية اللقاح الروسي الا خير دليل على ذلك.
لقد غاب عن ذهن البعض أن إحدى بنات الرئيس الروسي قد خضعت للحقن بهذا اللقاح، و لا يعقل أن رئيس دولة في حجم روسيا يخاطر بحياة ابنته أملا في الحصول على مجد شخصي، فالمسألة تبدو صعبة على الأقل من الناحية الأخلاقية – و إن كنا نجزم أن السياسة لا تخضع للأخلاق أو المثاليات- كما أن بوتين شخص ذكي، ويحسب خطواته جيدا، و لا يمكن أن يقع في أخطاء فادحة، قد تهز مصداقيته أمام الشعب الروسي، و تعصف بمستقبله السياسي، سيماو أنه يطمح إلى البقاء رئيسا لروسيا لستة عشرة سنة القادمة بعد التعديلات الدستورية التي أجراها مؤخرا.
الحدث كان سيمر عاديا، و لم يكن أحد ليثير هذا الجدل، لو تعلق الأمر بالولايات المتحدة الامريكية زعيمة العالم الحر و حلفائها، و لن تجرؤ أي جهة على أن تنبس ببنت شفة، بل على العكس سنجد عبارات التهليل بدل التهويل، لكن عندما يتعلق الامر بروسيا أو الصين فتقام الدنيا و تقعد. و تنفث وسائل الإعلام الغربية و الموالية لها سمومها كما تنفث الأفاعي سمومها في فرائسها، وقانا الله و إياكم شرها. طاب يومكم.