مما لا شكَّ فيه أنَّ العلاقات الأميركيّة الصينيّة تمرّ بأسوأ مراحلها خلال حقبة ترامب، ولن تزيد هذه السلوكيات الأميركية الوضع الدولي إلا تعقيداً وتأزماً.
إعلان وزير الخارجيّة الأميركيّ مايك بومبيو، يوم السبت الماضي، رفع القيود المفروضة سابقاً على التعاون مع تايوان – الدولة غير المعترف بها دولياً – يعدّ ضربة جديدة للعلاقات الأميركية الصينية المتوترة، وقد يعقّد مهمة بايدن أكثر.
هذا الإجراء سبقه تصريح سابق لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بأن تايوان ليست جزءاً من الصين، وهو ما يعد خطوةً مستفزةً للأخيرة، ما دفع النّاطق الرسمي باسم الخارجيةِ الصينية إلى الرد بعنف على تصريحاته، قائلاً: “نبلغ بومبيو ومن هم على شاكلته بأن أي سلوك يُقوِّضُ مصالح الصين الأساسية ويتدخل في شؤونها الداخلية، سيقابل بهجوم مضادٍ حازمٍ”.
المعلوم أنَّ الصين تعتبر تايوان جزءاً أصيلاً من البر الصيني، لاعتبارات تاريخية تعود إلى الصراع الذي دار بين الحزب الشيوعي الصيني بزعامة ماو تسي تونغ، وحزب الكوميتانغ بزعامة شيانغ كاي شيك، بعد الحرب العالمية الثانية، إذ نجح الشيوعيون في بسط سيطرتهم على البر الصيني بأكمله، في حين تقهقر القوميون الصينيون، وانتقلوا إلى جزيرة تايوان، وأسسوا حكومة خاصة بهم، ولا زال القوميون الصينيون يعتبرون أنفسهم الممثلين الشرعيين للشعب الصيني بأكمله.
تدرك الولايات المتحدة الأميركية أن إعادة الصين لتايوان إلى الوطن الأم، يعني اكتسابها مجالاً حيوياً على بحر الصين الجنوبي الذي تنازعها فيه عدة دول، هي ماليزيا، وسلطنة بروناي، والفيليبين، وإندونيسيا، وتايلاند وسنغافورة، وفيتنام، وكمبوديا.
ويكتسب هذا البحر من حيث موقعه الجيوسياسي أهميةً قصوى بالنسبة إلى الصين بالقدر نفسه بالنسبة إلى أميركا من الناحية الجيوستراتيجية، فهذا الممر البحري يُعتبر أهم ممر مائيٍّ في العالم، ويعرف ازدحاماً للسفن التجارية، كما أن ثلث الشحنات البحرية تمر عبره، فضلاً عن تميزه بثروات طبيعية في أعماقه.
وعليه، يرى الأميركيون أن هيمنة الصين على هذا البحر تعني أنها ستصبح المتحكمة بالاقتصاد العالمي بشكل كلي، وبالتالي تجعلها قوة عظمى، وهو ما دفع الأميركيين إلى محاولة تشكيل تحالف من الدول المجاورة للصين لتطويقها، وبالتالي كبح جماح طموحاتها القيادية.
الإجراء الأميركي تجاه الصين بخصوص تايوان يعني فشل إدارة ترامب في جميع سياستها الرامية إلى احتواء الصين ولجم تصاعد قوتها الاقتصادية، فسياسة العقوبات لم تؤتِ أكلها، كما يبدو، كما أنها ستزيد تأزيم الوضع أمام إدارة جو بايدن إذا ما حاولت الدخول في حوار مع الصين حول العديد من القضايا المتعلقة بالتجارة وحقوق الإنسان والملكية الفكرية.
تدرك أميركا أن الصين باتت تمتلك المقومات التي تؤهلها للقيام بدور أكبر في السياسة الدولية في إطار نظرية تَحَوُلِ القوة، فبحسب ألفريد أورغانسكي، صاحب هذه النظرية، هناك ثلاثة أربعة أصناف من الدول: الدولة القوية والراضية، الدولة القوية وغير الراضية، الدولة الضعيفة وغير الراضية، الدول الضعيفة والراضية. وتقع الصين في النسق الثاني من الدول، أي الدولة غير الراضية عن توزيع القوة الحالي. لذا، تحاول الولايات المتحدة الأميركية فرملة هذا الطموح الصيني بكلّ الوسائل.
ورغم ما يُقال ويُكتب عن سياسة بايدن الخارجيَّة تجاه الصين، فإنها تبقى مجرد تصورات أو على الأرجح تقديرات تصدر عن معاهد الفكر والدراسات، وقد تكون مُصيبةً أو مُخطئةً، فالرئيس المنتخب لم يتسلم بعد مهام الرئاسة، ومن الصعب التكهن بما سيحدث على الأقل في المدى القريب، لأن اتخاذ قرارات كهذه يستوجبُ التقييم والدراسة قبل حسم نوع القرارات الواجب سلوكها.
مما لا شكَّ فيه أنَّ العلاقات الأميركيّة الصينيّة تمرّ بأسوأ مراحلها خلال حقبة ترامب، ولن تزيد هذه السلوكيات الأميركية الوضع الدولي إلا تعقيداً وتأزماً، والعالم لم يتجاوز بعد أزمة كورونا، فهل سيشهد توترات أخرى؟ الجواب في قادم الأيام.
بقلم خالد البوهالي