ذ. محمد العطلاطي
لقد استقبلت النخب المثقفة داخل المجتمع المغربي المقتضيات الجديدة التي تضمنها دستور المملكة، الصادر منذ أزيد من عقد من الزمان، بارتياح عام، مع تسجيل قبول واسع لدى المواطنين كافة، و لعل الجديد الذي حمله دستور سنة 2011، يحيل على رغبة لدى الدولة في الاعتراف بالتنوع الثقافي و اللغوي بالمغرب، إذ اعترف الدستور لأول مرة باللغة الأمازيغية لغة رسمية للدولة إلى جانب اللغة العربية.
لكن بعد مرور أكثر من عشر سنوات على اعتماد الدستور الجديد، لازالت اللغة الأمازيغية تعاني من عدم تفعيل المقتضيات المتعلقة بترسيمها، إذ يسجل باستمرار فرض أحادية اللغة بدل ثنائيتها، وذلك على مستوى خدمات كل المؤسسات و الإدارات العامة الوطنية، فما معنى أن يعترف الدستور باللغة الأمازيغية لكن دون السماح، من الناحية العملية، باستعمالها في التخاطب مع المرتفقين ؟
لابد من الاعتراف بأن درجة التعريب “الدارج” الذي اكتسح مؤسسات الدولة برمتها قد ولدت لدى الجمهور نظرة دونية تجاه اللغة الأمازيغية التي تعتبر اللغة الأم لسكان المغرب الأقدمينأي أبناء مازغ. وهكذا تكونت لدى المواطن الناطق بالأمازيغية قناعة الاستعانة بترجمان قبل التردد على مكتب خدمات من مكاتب الدولة أو يجد نفسه مجبرا على التخلي عن الخدمة العمومية، اعتبارا لحاجز اللغة، فبعد مرور عقود على سياسة “مغربة الإدارة”، لازال المواطن ينظر لموظفي الدولة و الجماعات في مختلف القطاعات و المؤسسات باعتبارهم ناطقين بالضرورة بلغة واحدة هي العربية الدارجة، وهذا بالطبع قد يكونموضوعا للباحثين في علم النفس الاجتماعي أو السلوكي.
لكن، هل من سر وراء تأبيد سيطرة لغة رسمية واحدة(العربية الدارجة)، في مواجهة لغة رسمية ثانية(الأمازيغية) داخل هيئات الموظفين، مع ما يشكله الموضوع من إخلال بالحقوق و هدر للكفاءات الإدارية؟
لقد ســــــــــاد، خــلال فترات ما بعد الاستقلال، رأي عام مستحدث بشأن طبيعة الأوصاف التي يجب أن يتوفر عليها الموظف العمومي المغربي، و مفاد هذا الرأي المستتر أن موظف الإدارة لا بد أن يكون ناطقا بالعربية أو بلغة أجنبية ما، و لا يهم بعد ذلك إن كان يتحدث، إضافة للغة العربية الفصحى، لغته الأصلية الأمازيغية.و مع توالي العقود، تكرس الإهمال تجاه المكون اللغوي الأصلي لبلاد المغرب، بينما هيمنت اللغة ” الدارجة”على دواليب الإدارات العمومية، و بالنتيجة، تكرست لدى الموظف العام دونية مضمرة تجاه لغته الأمازيغية، حتى و لو كان ناطقا بها.
بعد مضيّ زمن مديد على صدور الدستور الجديد، و بعد إصدار قوانين جديدة و إلحاق تعديلات بأخرى، لم تلتفت الإدارة إلى يوم الناس هذا، إلى معالجة موضوع لغة التخاطب، بينها و بين مرتفقيها داخل مكاتبها ، وعليها،لبلوغ انسجام حقيقي مع أحكام روح الدستور، أن تتجه نحو تعديل القوانين الضابطة لكيفيات التوظيف داخل الإدارات العمومية و لشروط التعيين في مناصب المسؤولية، بحيث يجب التنصيص، ضمن التعديلات المطلوبة، على ضرورة اشتراط التحدث باللغتين الرسميتين للدولة، بالنسبة لمترشح منصب من المناصب العامة، وعدم الاكتفاء بلغة واحدة دون أخرى، و الأكيد أن تعديلا من هذا النوع، يمس قانون تقلد الوظائف العامة، سيكون له الأثر البالغ على تقريب الإدارة فعليا من المرتفق، و إلى حين إجراء هذا التعديل المرجو، سيبقى التساؤل مطروحا عن موضوع : “الأمازيغيةفي الإدارة العمومية.؟”