في المغرب وحده يصرح رئيس الحكومة بأنه يتوفر على لائحة لأشخاص هربوا أموالا إلى الخارج، ويتجاوز البلد كل ذلك دون أن تعتبر المسألة فضيحة مدوية تؤدي إلى فتح الزنازين في وجه الخارجين عن القانون. المشهد يزداد حرارة مع مؤثرات رفع الإستقلاليين لدعوى قضائية ضد رئيس الحكومة في نفس الشأن. وللمسلسل بقية…
في المغرب فقط يتعرض وزير لاعتداء شنيع داخل قبة يفترض فيها أنها مجال للحوار والنقاش وصناعة القوانين. المشهد فيه الكثير من التشويق،حيث يخرج الوزير من قاعة اجتماعات بالبرلمان ليجد متعلمين أصحاب شهادات علمية ممتازة، يتربصون به في «الكولوار» فيستقبلونه بوابل من الكلام السوقي المنحط، بل يتجرأ أحدهم على محاولة استعمال العنف الجسدي… المسلسل لم يشرف على النهاية هو الآخر.
في المغرب فقط يسيطر أميون جهلة على المشهد الديني الشعبي، فيحللون ويحرمون ويفتون ويكفرون ويوزعون صكوك الغفران وصكوك الإنتماء ل «الأمة» أو الخروج منها، والجهة المسؤولة على الشأن الديني صامتة غير عابئة، تراقب الوضع كبقية أيها الناس، فتسطو الحركة الأصولية،غصبا وقوة على الحقل وتضع نفسها قسرا سلطة على ضمير الأمة، وجيش علماء الحقل الديني الذين يكلفون خزينة الدولة أموالا طائلة، غير عابئين بما يجري. يستمر مسلسل التكفير وهدر الدماء والفتنة والترويج لأفكار ما بها على المغاربة من سلطان. حلقات المسلسل ما تزال مستمرة.
في المغرب فقط يضع الخطاب الرسمي استراتيجية سياسية تدمج حقوق الإنسان وقواعد الدولة الحديثة، ونجد ممارسات يومية تناقض ذاك التوجه وتجتهد في ردمه وتحقيق ممارسات مضادة لكل تلك الإستراتيجية. ويستمر الخطاب وتستمر مقاومته على مستوى الممارسة.
في المغرب وحده تتخذ قرارات على مستوى عالي من التبصر والحكمة والعقلانية، على مستوى الأفكار، ونأتي للواقع لنكتشف غياب كل البنيات الممكنة لتحقيق تلك الأفكار وتلك القرارات.
في المغرب وحده يحسن المسؤولون الكلام وتطريزه في مجال الصدق والعمل الدؤوب وخدمة البلاد ومواجهة الفساد، وفي الواقع تجد جزءا منهم لا يعمل سوى على خدمة مصالحه الخاصة بالفساد والخديعة وخيانة الأمانة ويستطيع أكثريتهم الإفلات من العقاب، بل وتبوء المناصب العليا. ويستمر المسلسل، مسلسل الخديعة والفساد وغلبة المفسدين.
في المغرب أيضا نعيش في ازدواجية مرضية، يصرح الناس بعكس ما يفكرون ويفعلون عكس ما يصرحون به. نتحدث عن الإستقامة ونخرق قواعدها بدون خجل، نتشبث بالقانون ولا نحترمه، ندعي الفضيلة ونرتكب الرديلة ونزايد على الناس في الأمر. ننهي عن أشياء ونكون أول المقترفين لها. نمارس أشياء في السر ونرفضها في العلن… ويستمر مسلسل السكيزوفرينيا هذا…
هو مسلسل من المشاهد التي تؤلمنا لكن نستمر في إعادة إنتاجها، نعرف أن لها عواقب وخيمة ونستمر في القيام بها. نعرف أنها أشياء تسيئ لصورتنا وصورة بلدنا، ونواصل تطعيمها بكل الإبداع السئ الممكن.
البلد في حاجة إلى ثورة… ثورة ثقافية، بيّن التاريخ أن الذين حققوها في بلدانهم بلغوا أعلى مراتب التقدم. فهل نقتنع بضرورة البدء؟
حكيم بلمداحي