محمد العربي هروشي
ستبقى صبيحة 24فبراير2022 تاريخا مميزا في أحداث المعمورة، وهو التاريخ الذي فيه أعلنت روسيا الحرب على أوكرانيا المتاخمة للحدود الشرقية لروسيا /بوتين، لقد كانت أمريكا على يقين بأن القيصر الروسي سيفعلها من خلال أجهزة مخابراتها المبثوثة في المنطقة، ولقد استطاع بيدان من أن يجر بوتين إلى التورط في الحرب على أوكرانيا ، معتمدا على حلفائه الأوروبيين ، سواء في الاتحاد الأوروبي أو في الناتو.
في المقابل توهم الزعيم الروسي بأن أوكرانيا لقمة سائغة ، ليعيد تركيب أوروبا ، مغيبا من حساباته أن أوكرانيا ليست هي الشيشان 1994 ولا جورجيا 2008 ولا حتى القرم2014 أو سوريا 2015 ، لقد جرت مياه تحت جسر المصالح والتقاطبات الدولية منذئذ، لذلك نعتت أوكرانيا بمستنقع الخنازير مكرر، طبعا ،مع وجود الفارق، وهو الحرب الباردة التي اهتزت أركانها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ما حدث في القرن الماضي في كوبا له وجه شبه واحد يجمع بين حالها وحال أوكرانيا : فأمريكا أرادت تحصين حدودها الجنوبية المتاخمة من المد السوفييتي ،وروسيا تريد تسييج حدودها الجنوبية مع أوروبا الشرقية والناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال استيلائها على أوكرانيا.
فمنذ انعقاد قمة رؤساء دول و حكومات الناتو في بوخارست أبريل 2008، أصدرت إعلانا عبرت فيه عن ” ترحيبها بالتطلعات الأوروبية الأطلسية كل من أوكرانيا وجورجيا اللتين ترغبان في الانضمام إلى الحلف” وأشارت فيه إلى الخطوات التي “ستقودهما إلى عضوية الحلف ” من ثمة بات على بوتين أن يتوجس من هذا الترحيب المهدد لتخوم روسيا ، حيث توسع الناتو باتجاه الشرق الأوروبي بات مسألة وقت.
من جهتها أقدمت روسيا على الدفع بإقليمين لإعلان استقلاليهما جمهوريتي لوغانسك و دونيتسك واعترفت بهما، مما سمح لها بتبرير غزو روسيا لأوكرانيا دفاعا عن حليفتيها الجديدتين من جهة، وصدا لتوسع رقعة الناتو عبر أوكرانيا من جهة أخرى.
وأعتقد، أن روسيا لم تقدر الأمر جيدا، بحيث أن ضمها للقرم عام 2008 إبان الأزمة الاقتصادية التي عرفها العالم، سياقها مختلف تماما عما يحدث الآن .ربما قرأت روسيا خروج أمريكا من أفغانستان بتلك الصيغة المذلة تاركة الأفغان لمصيرهم،ضعفا، وقد يكون كذلك، غير أن التحالف الغربي الإمبريالي والقائم على حكومات شعبوية يمينية النزوع، حينما يتعلق الأمر بمصالحه ينتابه سعار التعاضد والتآزر، وهو ما يفسر كم العقوبات وثقلها وإيقاعها السريع، الموقع من طرف أمريكا وحلفائها.
واللافت حتى بعض الدول التي تلتزم الحياد، هرعت إلى المساهمة في إنزال العقوبات الاقتصادية والمصرفية بما في ذلك سويسرا.
لقد طالت العقوبات الذوات والشخصيات النافذة والمؤسسات الاقتصادية الروسية و الحد من قدرات البنك المركزي الروسي والذي تبلغ احتياطاته من العملات الأجنبية 630 مليار دولار، ومحاصرتها جوا وبرا وبحرا، بل طال الأمر حتى المواطن الروسي، حينما، ألغيت بطاقته المصرفية فيزا من سوق المعاملة المصرفية خارج روسيا وعزلها عن نظام SWIET وقد فقد الروبل الروسي أكثر من 30 في المئة من قيمته ،مستهدفين خلق قلاقل لبوتين من الداخل الروسي وبالتالي تأليب المجتمع عليه وتسهيل مأمورية تنحيته.
غير أن هذه العقوبات ذات الطابع الاقتصاد لها رجع الصدى على باقي اقتصاديات العالم بما فيه الدول الحليفة لأمريكا وسيلحق الضرر بكل الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا ونحن نعلم أهمية وحيوية أنبوب الغاز نورد ستريم 2الذي يمد الغاز من روسيا إلى ألمانيا
لكن هل تنجح هذه العقوبات في إيقاف الزحف البوتيني (نسبة لبوتين) ؟
لا أظن، فالرجل قد صمم وعزم إلى أن ينهي مهمته وهو الاستيلاء التام على أوكرانيا وضمها حتى جناحيه القيصريين .
يمكن من الآن الجزم أن عالما جديدا آخذا في التشكل بتقاطبات جديدة وبموازين الرعب غير معتادة، عالم يقود نصفه روسيا والصين والهند وحلفائهم في القارات الست، وأمريكا وأوروبا واليبان وحلفائهم أيضا في القارات الست .
هل كان ممكنا تفادي هذه الحرب المجنونة؟
نعم، لو أخذ الرئيس الأوكراني زيلنسكي بالحكمة و البعد السياسي الاستراتيجي، فمثلا لو اقتصر على مطالبته لانضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي فقط، دون طموحه إلى انضمامه إلى الحلف الأطلسي، كان سيصعب على بوتين وجود مبرر للغزو، أما هل ستنتهي هذه الحرب بسرعة فهو ما سأفرد له مقالا آخر .