عند استضافته من طرف المنشط التلفزيوني المتميز عبد الله الترابي في حلقة يوم الأربعاء 2 مارس 2022 من برنامجه الأسبوعي “حديث مع الصحافة” على القناة الثانية 2M، أبى القيادي بحزب الاستقلال، رئيس مجلس المستشارين والكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب “النعم ميارة”، إلا أن يصوب مدفعيته تجاه التنسيقيات الوطنية التي أسسها عدد من الموظفين في عدد من القطاعات، رافضا أن تمنح لها فرصة إجراء أي حوار مع الوزراء في إطار الحوار الاجتماعي، معتبرا أن المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية هي وحدها المخول لها ذلك قانونيا.
وهو ما جعل حلقة البرنامج تكون مختلفةعما سبقها من حلقاتعلى مستوى ما تضمنته من تصريحات نارية، حيثأنها أثارت جدلا واسعا وردود فعل ساخطة ليس فقط في أوساط التنسيقيات الوطنية، بل حتى داخلأكثر منمنظمة نقابية، التي استنكر بعض قادتها ما ورد علىلسان أحد أبرز أفراد الأسرة النقابية من إساءة لها واتهامها بالتقصير واستنزاف المال العام بدون جدوى…
فبقدر ما كانمباشرا في ردوده ومنها تلك المتعلقة بالنقابات،بقوله “النقابات تستفيد من الدعم العمومي من خزينة الدولة مثلها مثل الأحزاب السياسية، دون أن تتم محاسبتها حول أوجه صرفها لذلك المال” وهو ما نتقاسم معه الرأي حوله،لعدم اضطلاعجل النقابات بمهامها وفق ما تنص عليه مقتضيات الفصل الثالث من الدستور، من حيث “الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والمهنية، الفردية منها والجماعية، للفئات التي تؤطرها وإلى دراسة وتنمية هذه المصالح وتطوير المستوى الثقافي للمنخرطين بها”، ولا حتى الأحزاب السياسية نفسها حسب ما ينص عليه الفصل السابع في”… تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وتدبير الشأن العام…”.كماأنه لم يدع المناسبة تمر دون أن يدعوالحكومة إلىمحاسبة النقابات على ما تتوصل به من دعم مالي، مطالبابرفع الحصار علىقانون النقابات الذي طالما تهربت الحكومات المتعاقبةمن إخراجه إلى الوجود،ومؤكدا على أن من شأن تمريرهأن يصون كرامة الكتاب العامين للنقابات ومعهمالآمرين بالصرف، ويجنبهم المزيد من الاتهامات.
بقدر ما كان قاسيا علىالتنسيقيات الوطنيةبدون مواربة، وخاصةتنسيقية “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” باعتبارها الأكثر شهرة ونشاطا في الساحة الوطنية،مما استفز منسقيها وأعضاء المجلس الوطنيالذينرفضوااتهامها”تمييع العمل النقابي بجعل يوم الإضراب يوم عطلة”.وأدىبأحدهممن المشاركينالرسميين في لجنة الحوار مع وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى،إلى اعتبار عدم إيمان “ميارة” بالتنسيقيات ومعارضتهلتأسيسها، أمريخصه وحده ولا يعدو أن يكون كلاما بلا عمق وبلا روح، ويندرج فقطفي إطار “البوليميك” غير المجدي، لكون التنسيقيات الوطنية أضحت واقعا ملموسا وقوة حقيقية في المجتمع،ولا يمكن لأي كان إنكارهامهما بلغت درجاته.
فنحن لا نعتقد أن يكون رئيس مجلس المستشارين يجهل ما آل إليه واقع النقابات ببلادنا من ترد كبير، إذ لو أنها استطاعت أن تظل محافظة على إشعاعهاواستمرت في القيام بما أنيط بها من أدوار طلائعية،تتلقى مقابلها دعما ماليا سنويا من أموال دافعي الضرائب، لما وصلت إلى هذا الحد من الوهن والترهل والانقسامات والاختراقات، والارتهان للسلطة والإسهام في تمرير مخططاتها إلى درجةفقدتمعهاثقة العمال والموظفين. والأكثر من هذا أنها بتصرفات بعض قادتهامهدت سبلظهور هذه التنسيقيات الوطنية التي بات الكثيرون يرون فيها البديل المنتظر، الذي يراهنون عليه في الترافع بصدق عن قضاياهم الأساسية والدفاع عن مطالبهم الملحة. حيث أن الشغيلة لم تعد تقبل في ظل ما تراكم لديها من خيبات أمل منذ سنواتبالمزيد من التهميش و”المتاجرة” بملفاتها المطلبية.
ثم أين نحن من تلكالمركزيات النقابية الحقيقية، والجميع يعلم أنها ليست أفضل حالا مما وصلت إليه معظم الأحزاب السياسية من تفكك وتراجع صارخ في أداء وظائفها؟ فالعمل النقابي فقد بريقه ومصداقيته منذ عدة سنوات لتضافر عدة عوامل يمكن الإشارة إلى بعضها بإيجاز تام، غياب الديمقراطية الداخلية وعدم احترام دورية انعقاد المؤتمرات، تغليب المصالح الشخصيةوتهميش الطاقات الشبابية المتنورة.ضعف نسبة الانخراط النقابي الذي لا يتجاوز في أحسن الأحوال 10 في المائة وضعف تأطير الشباب واقتصار البرامج النقابية على الجوانب الاقتصادية، وتكريس العمل النقابي في خدمة الأحزاب السياسية أكثر من خدمة الشغيلة المغربية…
إن الكاتب العام لنقابة حزب “الميزان” يعلم أكثر من غيره أن الوضع النقابي في تفاقم متواصل، لاعتبارات عديدة ومتنوعة لم تعد خفية على أحد في السنوات الأخيرة، مما أوصل الطبقة العاملة في القطاعين العام والخاص إلى هذا المستوى من الحنق والنفور والبحث لها عن بديل آخر أكثر شفافية وديمقراطية، والذي لم يكن سوى “التنسيقيات الوطنية” التي جاءت منسجمة مع قضاياها ومطالبها لتملأ الفراغ الكبير الذي خلفتهالنقابات.
إذ كان عليه وسواه من الذين يرون في وجودها تهديدا لمصالحهم الشخصية الضيقة، عوض التمادي في المزايدات والاتهامات وتبخيس نضالاتها ومحاولة نسفها وتثبيط همم وعزائم أعضائها من الشباب المتوثب، في تواطؤ مكشوف أحيانا مع السلطات العمومية، العمل على تصحيح مسار النقابات والتنسيق بينها ومختلف التنسيقيات لأجل إقامة تنظيم وحدوي وجبهة قوية،تنتصر لهموم وانشغالات الشغيلة.
اسماعيل الحلوتي