مرة أخرى يتضح بجلاء أن بلادنا مازالت في بحث دائب عن حكومة حقيقية يكون أعضاؤها في مستوى تحمل المسؤولية، من حيث الجدارة والاستحقاق والقدرة على ابتكار حلول ناجعة في النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتلبية انتظارات الشعب،عبر ضمان الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مكافحة الفساد، خفض معدلات الفقر والأمية والبطالة وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية…
فقبل حتى أن تخمد نيران الاحتجاجات المنددة بغلاء الأسعار، وينتهي الجدل الدائر حول تخصيص حكومة أخنوش حوالي 2,5 مليار درهم من المال العام مقابل الاستعانة بخدمات من يوصفون ب”المؤثرين” في مواقع التواصل الاجتماعي، قصد الترويج للبرنامج الوطني “فرصة” الذي يستهدف الأشخاص فوق سن18 سنة من حاملي مشاريع مقاولاتية، بدعوى تشجيع الشباب على العمل المقاولاتي وخلق فرص الشغل. وهو البرنامج الذي خصص له غلاف مالي يصل إلى 125 مليار درهم لعام 2022، ويهدف إلى مواكبة 10 آلاف من حاملي المشاريع في جميع قطاعات الاقتصاد.
وهو البرنامج/الفضيحة الذي انبرى له بالنقد فاعلون سياسيون ومنظمات حقوقية ونقابية ونساء ورجال الصحافة الوطنية وغيرهم، ولاسيما أن رئيس الحكومة سحب بساط الإشراف عليه من تحت قدمي وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات يونس السكوري المحسوب على حزب الأصالة والمعاصرة، وكلف بدله وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد التضامني والاجتماعي فاطمة الزهراء عمور التابعة لحزبه، التي استضافت عددا من المؤثرين بأحد فنادق الرباط الفاخرة، ومن ثم قامت هي الأخرى بتفويته ل”الشركة المغربية للهندسة السياحية” نظير18 مليار درهم، علما أن ذات الشركة سبق لها أن فشلت في برامج سياحية من قبل. فهل صار “المؤثرون” أكثر أهمية وثقة من نساء ورجال الصحافة وممثلي الشعب في البرلمان؟
وإذا كانت تلك “الفضيحة” أثارت جدلا واسعا من جراء ما اعتبره الكثيرون استنزافا للمال العام، وجرت على الحكومة وابلا من الانتقادات اللاذعة، فإن فضيحة أخرى أكبر وأخطر انفجرت في مطلع شهر أبريل، تتعلق بعملية الدعم التربوي الرامية إلى تعويض الحصص الدراسية الضائعة إما بسبب تفشي جائحة “كوفيد -19” أو الإضرابات المتوالية أو هما معا. حيث سبق لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، أن عقد لقاء تواصليا خلال شهر مارس مع الهيئات الممثلة لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ على الصعيد الوطني، بهدف تداول السبل والإجراءات القمينة بالارتقاء بالمنظومة التربوية، وتدارس الاقتراحات العملية الكفيلة بتدارك الزمن المدرسي المهدور، مراعاة لمصلحة المتعلمين وضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع…
فكان من بين الحلول المقترحة لاستدراك ولو النزر اليسير من الزمن المدرسي المهدور، أن استقر الرأي على إمكانية الاستفادة من برنامج “أوراش” الذي تم إطلاقه في بداية شهر مارس 2022، بعد أن عملت الوزارة الوصية على تعميم مذكرة حول تنزيله، محددة فيها طبيعة الخدمات ذات الأولوية بالنسبة للقطاع والتي يمكن إجمالها في تنظيف وصيانة المؤسسات التعليمية، الدعم التربوي، المدرسة المفتوحة والتعليم الأولي.
وجدير بالذكر أن اعتماد وزارة بنموسى على عملية “الدعم التربوي”في إطار برنامج “أوراش”، الذي يستهدف توفير مدخول مؤقت ل”250” ألف شخص، تهييئهم لسوق الشغل وولوج فرص الإدماج الاقتصادي المتاحة، كان قد خلف ردود فعل ساخطة داخل مجلس المستشارين قبل حتى الشروع في تنزيله على أرض الواقع.إذ إنه رغم تشديدها في مذكرتها الصادرة بتاريخ25 يناير 2022والموجهة أساسا إلى مدراء الإحصاء والتخطيط والمناهج والميزانية والوحدة المركزية للتعليم الأولي ومدراء الأكاديميات الجهوية والمدراء الإقليميين، على ضبط معايير وآليات تفعيل البرنامج خاصة فيما يتعلق بانتقاء الجمعيات والتعاونيات واختيار أحسن المرشحين، فضلا عن ضبط الدعم التأطيري واللوجيستي، والحرص على إعطاء الأولوية في بداية الأمر للمناطق التي تعاني الخصاص…
فإنه بمجر ما انطلقت عمليه تقديم حصص الدعم المدرسي للتلاميذ في عديد المؤسسات التعليمية خلال شهر أبريل، حتى أثيرت حولها هي الأخرى موجة من الانتقادات على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث أنه انطلاقا مما تم تسجيله من أخطاء إملائية فادحة من شأنها التأثير على مستوى المتعلمين، انتقد الكثير من نشطاء الفضاء الأزرق الأكاديميات الجهوية المكلفة بتدبير العملية، التي اكتفت بإسناد المهمة إلى عدد من الأشخاص المعطلين حاملي الإجازة، الذين لا يتوفرون على أي تكوين بيداغوجي أو تأهيل في مجال التدريس، فأين نحن إذن من النجاعة والجودة اللتين يتم التغني بهما؟
وهو ما جعل مجموعة من الفاعلين التربويين والأساتذة يتفاعلون مع تلك الصور التي توثق لعملية الدعم بتلك الأخطاء المستفزة، ويعبرون عن امتعاضهم عبر تدويناتهم في “الفيسبوك”، مستنكرين رهن مصير الأجيال الصاعدة للمجهول، في وقت تعلم فيه الوزارة الوصية أن الدعم التربوي الحقيقي يخضع لعدد من المذكرات والمعايير. ولمواجهة التذمر والانتقادات، أصدرت الكتابة العامة للوزارة مذكرة عاجلة تدعو مديري المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين إلى تكليف المتدربين بسلك تأهيل أطر التدريس للانخراط في تنزيل خطط الدعم التربوي بتنسيق مع الأكاديميات…
إننا لا نشكك في حسن نوايا المسؤولين ومدى رغبتهم في وضع بصماتهم على بعض الإنجازات، لكننا نرفض سياسة الهروب إلى الأمام وإناطة مسؤولية تدبير الشأن العام بأشخاص غير مؤهلين لذلك.ثم متى كانت حصص الدعم التربوي تسند لمعطلين بدون تكوين بيداغوجي؟ فهل يتعلق الأمر فقط بمحاولة تبديد قلق الأسر المغربية بشأن الحصص الدراسية الضائعة وامتصاص غضبها، أم هي رسالة مبطنة للأساتذة المتعاقدين؟
اسماعيل الحلوتي