التبريس.
بحلول كل فصل شتاء تزداد وتيرة الضغط على المجالات الغابوية للريف، من خلال ما تعرفه الأشجار من استنزاف مكثف لتوفير حطب التدفئة لمواجهة موجات البرد القارس خاصة بالمناطق الجبلية التي توجد على ارتفاع أزيد من ألفي متر، وتعاني العديد من القرى والمداشر بجماعات جبلية كأربعاء تاوريرت وتبرانت وشقران وكتامة من قلة حطب التدفئة أو عدم توفر إمكانية اقتناءه مما يزيد من عمليات التخريب الواسعة التي يتعرض لها المجال الغابوي.
وتعرف المناطق الجبلية للحسيمة خلال هذه الفترة من الشتاء ارتفاعا في وتيرة استنزاف المجال الغابوي، وأصبح أعداد المستفيدين يزداد يوما بعد يوم، حيث أن الترامي على الملك الغابوي يتم تحت ضغط الحاجة إلى حطب الاستعمالات المنزلية أو تحصيل مساحات أرضية لزراعة القنب الهندي الذي يشكل الأساس الاقتصادي لسكان الجبال في حياتهم نظرا لحاجة هذه الزراعة المستمرة لأراض جديدة مقابل ارتفاع عدد الساكنة، وقلة الأراضي الصالحة للزراعة بسبب البيئة التضاريسية للريف الأوسط الذي يعتبر امتدادا طبيعيا لسلسلة جبال الريف، العديد من الفلاحين وخلال أيام القر الشديد لا يجدون بدا من زبر الغابة وقطع الأشجار المحمية، وهو ما يؤدي إلى الرفع من الغطاء الغابوي المستنزف والممتد جغرافيا من إقليم الحسيمة لحدود إقليم تطوان، فأولى مؤشرات التخريب والاستغلال الغير العقلاني للأشجار، بدأت تظهر على المناطق الجبلية من خلال الزبر والقطع المكثف الذي تقوم به النساء خلال النهار باستعمال السواطير، وأدوات حادة، وبالليل تقوم مافيا الغابة بقطع الأشجار التي تختلف كيفية استعمالها بين البيع لتجار الخشب أو الاستعمالات البشرية حسب جودة الخشب الذي يتم تحصيله.
فصل الشتاء على خلاف باقي مناطق الريف يكون بمناطق كتامة وعبد الغاية السواحل وتبرانت باردا جدا، بالإضافة إلى تعطل معظم المسالك الطرقية ونفاذ المؤن، مصدر مطلع يؤكد للجريدة على أن الغابة تشكل الملاذ الأول والأخير للساكنة للتغلب على موجات البرد الشديد وكذلك توفير الطاقة للاستعمال المنزلي أمام غياب قنينات الغاز، الإجهاز سنويا على الغابة بالتعشيب والزبر والقطع يفقد الغابة مساحات مهمة، أولى الانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة بدأت تظهر بتلك المناطق التي بدأت تفقد أزيد من 1500 طن من التربة النافعة سنويا.
السكان بالمناطق الجبلية للريف وعلى خلاف باقي مناطق المغرب يتمسكون بالأراضي المحصل عليها من تخريبهم للغابة، بل أكثر من ذلك أصبح لهم لسان حال في مؤسسات الدولة فالبرلمانيون أصبحوا يطالبون الدولة بإسقاط مخالفات قطع الأشجار، والتوقف عن متابعة الفلاحين المخربين الذين يأتون سنويا على هكتارات من الغابة وهو ما يرفضه القانون والمجتمع المدني المتشكل أساسا من الجمعيات البيئية التي تطالب بتشديد العقوبات على كل من سولت له نفسه قطع أشجار الغابة.
ويعتبر الترامي على الملك الغابوي بالجماعات القروية التابعة لدائرة تارجيست الأكثر خطورة على الغطاء الغابوي، بحكم أنه يأتي سنويا على مساحات هامة، أحصتها الجهات الرسمية في أزيد من 15 % من معدل اجتثاث وقطع الغابة بالمغرب، وتشير الإحصائيات الرسمية المنجزة من طرف المصالح المختصة إلى أن مساحة الملك الغابوي المترامي عليها بقيادة كتامة بلغت 29 ألف و 600 هكتار، موزعة على جماعات: إساكن ومولاي أحمد الشريف وعبد الغاية السواحل وتمساوت وبني بونصار، ولا تشكل العوامل الطبيعية، تهديدا كبيرا للثروة الغابوية بإقليم الحسيمة، ويبقى العامل البشري المسؤول الأول عن تراجع الغطاء النباتي والوحيش على حد سواء، وتبقى المساحات الإجمالية المحفظة من الملك الغابوي بالإقليم 145 هكتارا، في حين تصل المساحة التي في طور التحفيظ إلى 16 ألفا و760 هكتارا، وتؤدي زراعة القنب الهندي التي تعمل على رفع الموارد المالية للسكان إلى تدهور وتراجع الغطاء الغابوي لما يتطلبه هذا النشاط الزراعي سنة بعد أخرى من أراضي جديدة على حساب الغابة.
خالد الزيتوني