عرفت المناطق الجبلية لإقليم الحسيمة أو ما يصطلح على تسميتها ب” مناطق الكيف ” استنزافا كبيرا للفرشة المائية والمياه السطحية والعيون، التي يتم استعمالها لسقي ” الكيف “، خاصة منه النباتات الهجينة الأخرى والتي يتم زرعها وتتطلب كميات كبيرة من المياه لنموها، الذي يستمر حتى انصرام الصيف.
وأصبحت الآبار منتشرة في كل مناطق ” الكيف “، حيث يتم بداية التنقيب عن المياه، قبل أن تبدأ عملية الحفر التي تقوم بها شركات خاصة معظمها يعمل بها سوريون، حلوا بالمنطقة بشكل كبير خلال العشر سنوات الأخيرة، وامتهنوا عملية التنقيب وحفر الآبار بالمناطق الجبلية للريف العميق.
الإفراط في حفر الآبار يعرض المناطق الجبلية للريف العميق ” لجفاف حاد ” خلال فصل الصيف، وذلك رغم وفرة الأمطار والثلوج بها خلال فصل الشتاء، والسبب كما يؤكد مهتمون بالمجالات الطبيعية، هو الاستنزاف المفرط للفرشة المائية، نتيجة حفر الآبار بشكل عشوائي ودون التقيد بالمساطر القانونية الجاري بها العمل، الأمر الذي وضع المنطقة برمتها تحت رحمة الجفاف الذي باتت تعيش تبعاته خلال حلول موسم كل صيف، حيث تجف العيون والمياه السطحية المترتبة عن ذوبان الثلوج ويصبح البحث في تلك الربوع من الوطن عن الماء كالبحث والتنقيب عن الكنوز، كما يعلق أحد ساكنة تلك المناطق ل” ألتبريس “.
وعادة ما يلاحظ الزائر للمناطق الجبلية لإقليم الحسيمة، شاحنات مجهزة بأدوات الحفر والتنقيب عن الماء، معظمها يديرها سوريون، وهي مركونة بالمراكز الجماعية بكتامة واساكن وترجيست…، حيث الإقبال على خدماتها أصبح يتزايد بالحاجة الملحة للماء الوفير لسقي نوع من النباتات الهجينة من الكيف يتم استيرادها ك” الخردلة ” و ” التريكيتا “، اللتان تتطلبان كميات كبيرة من الماء حتى تستوي وتنموا وتصبح سنبلة قادرة على منح غبار الحشيش للفلاحين، حيث من المعروف عن النبتتين أن مردوديتيهما وفيرة مقارنة مع نبتة ” الكيف ” المحلية والمتأقلمة مع البيئة الأصلية .
ونتيجة لهذا الوضع فإن شح المياه بتلك المناطق الجبلية من الريف العميق بإقليم الحسيمة، والذي يعود أساسا للاستنزاف المكثف للمياه الجوفية وكذلك قطع الأشجار والاعتداءات على الملك الغابوي السائر للزوال، قد يؤدي في السنوات القليلة المقبلة لهجرة مكثفة نحو المناطق الحضرية والشبه الحضرية، حيث ستبحث ساكنة تلك المناطق على شروط أحسن للحياة، وللهروب من مجال طبيعي بات مهددا بتعرية مسترسلة ستهز وتخلخل مكوناته الطبيعية الأساسية وهي المياه والغابات.
وعادة ما تؤدي الصراعات على منابع المياه والآبار لاقتتال بين أفراد العائلة الواحدة أو العائلات الأخرى، وهي الصراعات التي تصل حد استعمال الأسلحة النارية ( بنادق الصيد ) والأدوات الحادة، وغالبا ما تخلف هذه الأحداث جرحى وموقوفين أثناء تدخل السلطات لتهدئة الوضع.
وفي السنتين الأخيرتين وبسبب شح المياه الجوفية، ووجودها على عمق عشرات الأمتار، يضطر المزارعون الى استخدام مضخات ومحركات قوية تعمل بالجهد الكهربائي العالي لاستخراج المياه واستعمالها في الأغراض المشار إليها أعلاه، وعادة ما يؤدي استعمال تلك المحركات لانقطاعات متكررة في التيار الكهربائي، ويعرض السكان للعيش وسط الظلام وهي الحالة التي تتكرر باستمرار في أكثر من مكان بتلك المناطق، وتحتد أكثر خلال فترة سقي الكيف.
وسبق للسكان المحليين أن طالبوا بوضع حد لآلات الحفر المذكورة والتي مازالت منتشرة في المنطقة وتعمل تحت أعين السلطات المحلية التي لم تكلف نفسها الاستجابة و الالتفاتة لطلب الساكنة و منتخبيها الشرعيين، بل الأخطر من ذلك عوض تطبيقها للقانون بشكل صارم وعلى الجميع يعمد بعض رجالها بمنع بعض المواطنين من حفر آبار مياه للشرب في حين يسمح لآخرين بتهديد الفرشة المائية من خلال إحداث ثقوب مائية متعددة تؤثر على الزرع والنسل ودون حسيب.
وتعرف المناطق الجبلية لإقليم الحسيمة، وللأسباب المذكورة تراجعا في احتياطاتها المائية، ما قد يعرضها للجفاف والعطش في المستقبل القريب من السنين ما لم يتم التفكير في حلول جذرية مبنية على تدبير مستدام لهذه الثروة الحيوية التي تعتبر أهم مكون طبيعي يعول عليه الإنسان للعيش في تلك الربوع القاسية من البلاد.
خالد الزيتوني.