التراث اللامادي والذاكرة في الحركات الاحتجاجية
- قراءة في مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان –
ذ. الحسن أسويق : أستاذ بالكلية متعددة التخصصات بالناظور (جامعة محمد الأول بوجدة – المغرب)
ملخـــص:
الغرض من هذا المقال هو أن نبيّن، انطلاقاً من المذكرة التي قدمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان للجنة النموذج التنموي الجديد، كيف أن حفظ الذاكرة، كشكل من أشكال التراث الثقافي اللامادي (كتراث ذاكراتي)، يساهم في التنمية على جهة توفير الشروط المعنوية للتنمية التي تحتاج، من بين ما تحتاج إليه، إلى الثقة والأمن الروحي. ومن جهة أخرى، بيانُ كيف أنه بالرغم من المخاطر التي قد تنتج عن صراعات الذاكرة، فإن تجاهل المطالب الذاكراتية – التي تأخذ طابعاً أكثر حدة في البلدان المتعددة الأعراق واللغات والثقافات كالمغرب – من شأنه عرقلة مسيرة التنمية؛ إذ لا يهدد الاستقرار الأمني للدولة فقط؛ بل يكبدها، كذلك، خسائر اقتصادية.
الكلمات المفتاحية: التراث اللامادي – الذاكرة – التنمية
التراث اللامادي والذاكرة أو “التراث الذاكراتي”
1-1- تطور مفهوم التراث
على مدى السبعين عاماً الماضية (منذ نهاية الحرب العالمية تقريباً) تطورت مقاربات مفهوم التراث بشكل لافت ومهم[1]. يرتبط هذا التطور بعدة عوامل واعتبارات من بينها النمو القوي والمتزايد للسياحة الثقافية ومساهمتها الاقتصادية؛ والتي صارت العديد من الدول تعتبرها، بشكل متزايد، بُعداً من الأبعاد المهمة لاقتصاداتها. كما يرتبط هذا التطور أيضاً، وأساساً، بتحولات ديموقراطية لمجموعة من الدول التي وعتْ بأهمية سنّ سياسة تدبيرية رشيدة ومنصفة للذاكرة[2]، عمادها تبني مقاربة قائمة على تأويل متعدد للقيم التراثية يُفضي إلى فهم أكثر عمقاً وتوازنا للماضي[3]. أي بعبارة أخرى، التخلي عن النظرة الأحادية والاحتكارية في قراءة التاريخ، بما يسمح ببناء مشترك للسرديات التاريخية la co-création de récits historiques.
وهكذا، فإن التراث الثقافي لم يعد يقتصر على المعالم التراثية ومجموعات القطع الفنية والأثرية، وإنما صار يشمل أيضاً التقاليد وأشكال التعبير المحلية الموروثة عن الأسلاف، مثل التقاليد الشفهية، والفنون الاستعراضية، والاحتفالات، والمعارف والمهارات المختلفة.
يبدو إذن أن مفهوم “التراث اللامادي” مفهوم يعبر عن توسيع حقل التراث الثقافي، وكان ظهوره كنتيجة لإعادة تعريف التراث مع ظهور “تراثات جديدة”[4] غير التراث المادي.
1-2- التراث اللامادي والذاكرة
إذا كانت الذاكرة هي ما به وبواسطته تمنح الشعوب معنىً أو مدلولاً لماضيها، وما به يُقيمون الجسور بين هذا الماضي وحاضرهم عبر التذكر والعاطفة، فإن الاحتفاء بالذاكرة Mémoralisation هو تلك السيرورة التي بها يتم تأبيد الذاكرة، من طرف جماعات محددة، عبر أنشطة احتفائية مُعترف بها. وتشمل أشكال “الاحتفاء بالذاكرة”،على وجه أخص، المتاحف، والاحتفالات، والاعتذار، وتسمية أو إعادة تسمية الأماكن العمومية، والكشف عن مقابر الضحايا[5]، وكل ما له صلة ب”واجب الذاكرة”.
وعليه، فإن التراث اللامادي تراث ذاكراتي؛ إذ أن علاقة الذاكرة بالماضي علاقة تمر عبر العواطف والانفعالات والمشاعر التي تزداد حدّة كلما زاد الإحساس بالإقصاء واللاعتراف. وبناء عليه فإن الذاكرة تعتبر، بهذا المعنى جزءاً من التراث اللامادي[6]؛ إذ يشمل بعدين متلازمين: البعد العاطفي، والبعد الاجتماعي. وهو ما يمكن بيانه على مستويين:
1-2-1- التراث اللامادي “تراث ذاكراتي”
يعبر كل من مفهوم “التراث اللامادي” و”الذاكرة” عن الجانب الروحي والعاطفي. وإذا رجعنا إلى تعريف منظمة اليونيسكو للتراث اللامادي نجد أنه يجعل من هذا العنصر بعداً أساسياً في هذا التعريف، بحيث يشمل الأشياء التي من الضروري حفظها ونقلها إلى الأجيال القادمة، ليس لقيمتها الاقتصادية الفعلية أو المفترضة؛ بل لأنها توّلّد فينا إحساسا معيناً، أو لأنها تجعلنا نشعر بالانتماء. أي ” ما يمنح للجماعات والمجموعات المعنية بهذا التراث ” إحساساً بالهوية والاستمرارية”[7].
وهكذا تعتبر مواقع الذاكرة[8]، إلى جانب التعبيرات السابقة، جزءا من التراث اللامادي، وتتمتع بقيمة لامادية تستمدها من الأحاسيس والمشاعر التي يبديها الناس إزاءها، كما من العلاقات التي يقيمونها معها، سواء تعلق الأمر بإحالتها على شخصيات أو أحداث تاريخية.
1-2-2- التراث اللامادي “تراث اجتماعي”
إذا كان التراث المادي يرتبط ب”الذاكرة الجمعية” بالمعنى الذي يقصده موريس هالبواكس بهذا المفهوم[9]، فإن التراث اللامادي يرتبط ب”الذاكرة الاجتماعية”، بحيث أن هذا الأخير (التراث اللامادي) ليس مجرد استحضار للماضي على سبيل النوستالجيا؛ بل كحاجة ملحة لجماعة بشرية تطالب بإبقاء هذا التراث حياً، أي كذاكرة اجتماعية [10] وليس مجرد ذاكرة جمعية؛ كما تطالب بإقرار هذا التراث اللامادي، كفعل من أفعال حفظ الذاكرة، عبر الاعتراف الرمزي أولاً، والذي تعقبه إجراءات إعلانية إدارية رسمية من طرف الدولة[11]، لتحقق بذلك عملية “النقل الذاكراتي” إلى الجيل الحالي ممارسةً وفعلاً ضمن سيرورة إنتاج الذاكرة الجمعية في شكل حضور في المجال العمومي، لتأمين التواصل والاستمرارية بين الماضي والحاضر، وليتحقق الوجود الاجتماعي للذاكرة. ومن ثمة، فإن الذاكرة تصح ك”قوة فعّالة، بنّاءة، ودينامية” وليس مجرد خزّان لصور الماضي[12].
ولأن “صناعة” التراث تتم انطلاقا من الحاضر، فإن أي “مادة تراثية” لن تكون لها أي قيمة ما لم يكن هناك اهتمام من طرف أعضاء جماعة بشرية أو ترابية تتذكّره، وإلا كان مصيره النسيان[13]. وهكذا فإن التراث اللامادي “انتقائي” كما الذاكرة.
ولأن الأمر كذلك، فإن تراثية Patrimonialité التراث الثقافي اللامادي تكمن في التركيز على ” القيمة العاطفية والتذكّريّة أكثر من التركيز على القيمة المادية للمواد التراثية، كما تكمن في التركيز على الطابع الدينامي للتراث، وعلى نقله وتثمينه من طرف جماعات بشرية معينة”[14]. وهذا ما يجعل منه ” مسألة تتعلق بالعاطفة أكثر من تعلقها بالعقل، وبالحياة الاجتماعية أكثر من تعلقها بالخبرة والمهننة”[15].
- تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان: الخلفية والسياق
أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بمناسبة إحداثه ل”وحدة حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بمختلف روافده”[16]، تقريراً يتضمن، إلى جانب توصيات تهم مشروع قانون المتاحف، اقتراحات وتوصيات المجلس المقدمة للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد في موضوع “إضاءات التاريخ وحفظ الذاكرة”.
تشكل هذه المذكرة، في نظرنا المتواضع، خطوة جريئة وقفزة نوعية، ليس في الخطاب الحقوقي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان فقط؛ بل في خطاب كل التنظيمات الحقوقية بالمغرب؛ إذ لا تتحدث المذكرة عن الحقوق الثقافية كحقوق من حقوق الإنسان بمطلق المعنى وبصفة عامة؛ بل تربط هذه الحقوق بإشكالية الذاكرة بكل ما تمثله من “مخاطر سياسية” خاصة على مستوى ارتباطها بمطالب هوياتية – جهاتية.
2-1- قراءة الحركات الاحتجاجية من منطلق الذاكرة
في إطار توضيحه لخلفية مواقفه في موضوع “إضاءات التاريخ وحفظ الذاكرة” كان المجلس حريصاً “عند إعداد مذكرته حول النموذج التنموي الجديد على استحضار مجمل السياقات المؤطرة للكثير من عناصر التوتر والاحتقان التي عرفتها بلادنا”[17].
وفي استحضاره لهذه السياقات توقف المجلس “عند العديد من الأسباب المباشرة لمجموعة من الاحتجاجات وما أفرزته من مطالب تم التعبير عنها من طرف ساكنة جهات المملكة”؛ إذ تبين لخبراء المجلس أن هذه المطالب لا تقتصر على ما هو اقتصادي واجتماعي فقط؛ بل تمتد إلى المطالب الثقافية الجهاتية[18].
2-1- فُضول حفظ الرأسمال الرمزي واللامادي على التنمية
يتحدث التقرير عن “أهمية استثمار الذاكرة، بمختلف مكوناتها، وعبر مراحلها المتعددة وتاريخيتها الملموسة، في صيانة المشترك وضمان تلاحمه بما يتيح فهم سياقات التطور والمسار واستشراف الآفاق، وبما يسهم في تأسيس عدالة اجتماعية مجاليّة (…) بما يجعل كل مكونات الوطن تنخرط بشكل بناء ومنتج، بثقة وحماس، في كل ما يسهم في دفع عجلة التنمية، عبر إشراك جميع الفئات الاجتماعية والجهات في تسريع وتيرتها”[19].
كما يرى أن من فُضول “تثمين التنوع والغنى الثقافي والخصوصيات المحلية ومخزون الذاكرة لمختلف الجهات” من شأنه تعزيز لحمة مختلف الجهات المكونة للكيان الوطني”[20]، وكذا توليد “حوافز سيكولوجية جماعية توطد الشعور بالانتماء sens of belonging للمجال”[21]، علماً أن “التنمية هي عملية مركبة لا تقف عند حدود المنظور الاقتصادي الكمي الضيق”[22].
تنبني اقتراحات المجلس، والحالة هذه، على قناعة وجود “ربط التنمية الشاملة بمهام حفظ الذاكرة وصيانة واستثمار مخزونها التاريخي”[23]، معتبرة أن هذا الربط يجب اعتباره بعداً أساسياً من أبعاد النموذج التنموي الجديد؛ ويندرج هذا المقترح ضمن ” الحاجة إلى منظور ايجابي يثمن موقع ودور كل المناطق والجهات ويدمجها، كلها، في سيرورة تطورية مستدامة”[24].
ومن منطلق اعتباره أن موضوع التاريخ وحفظ الذاكرة مكون مركزي في عملية صيانة وتنمية الرأسمال الرمزي واللامادي، أوصى المجلس بما يلي:
- الارتكاز على حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بكل روافده لبلورة النموذج التنموي المنشود؛
- استحضار النموذج التنموي الجديد لإضاءات التاريخ وحفظ الذاكرة من أجل المصالحة مع الماضي؛
- وضع خطة وطنية مندمجة لحفظ الذاكرة تراعي مختلف الأسس والأبعاد التي يتطلبها الموضوع”[25].
2-3- إعادة بناء تاريخ منطلق الذاكرة
ورغم أن التقرير يتحدث في جانب منه على سنوات الرصاص وتجربة الإنصاف والمصالحة، إلا أن “احتجاجات الحسيمة كما يسميها التقرير (والتي عُرفت إعلامياً ب”حراك الريف”)، كحالة امبريقية، كان له وقع خاص في صياغة هذه المقترحات وترجيج محتوياتها الجريئة، وذلك ما توضحه العبارة التالية في التقرير: ” تبين للمجلس عند إصدار تقريري احتجاجات الحسيمة وجرادة، وكذا عند بلورة توصيات تقريره السنوي، مسألة الانتقائية الممارسة في استحضار الذاكرة والرموز وتحويلها إلى سردية يتداخل فيها الخيال بالاستغلال التجزيئي للوقائع أو اختلاقها، كما لاحظ أن غياب تكاثف روايات الذاكرة جعلت السرديات المختلفة قابلة للانتشار. لذلك تعتبر مساهمة المجلس، عبر الوحدة، ذات أهمية كبرى من أجل النهوض والمساهمة في كتابة “الرواية الوطنية” بروافدها المتعددة وبلغاتها المتنوعة والمستحضرة للخصوصيات المحلية داخل النسق الجامع الوطني”[26]، وذلك لتجنب ما يمكن تسميته ب”وزر الذاكرة”[27].
كما يتجلى هذا الوقع أيضاً في ما يُستفاد من الفقرة التالية:
” وقد توالت المؤشرات المغربية على أهمية دراسة التاريخ الراهن بشكل علمي وعملي، إلى حين بروز البعد الهوياتي، بقوة، في احتجاجات الحسيمة. وهو ما أماط اللثام عن خاصية الغموض التي تلف تفاصيل العديد من الأحداث التاريخية المحلية رغم أهميتها التي تأخذ أحياناً طابعا واسعا. وقد أبرزت الاحتجاجات ذلك الترابط القوي، ولكن المضمر، بين الوضعية السوسيو – ثقافية للساكنة وأشكال الاحتجاجات”[28].
تجدر الإشارة إلى أن تقرير المجلس وإن كان يقر بأهمية “النُّصب التذكارية”، فإنه يتجنب الحديث عن النصب التي تخلد ذكريات أو أشخاص أو أحداث وسمت الذاكرة التاريخية[29]، مقتصرة على تلك التي تخلد “ذكريات أو أشخاص أو أحداث وسمت الذاكرة الحقوقية المغربية”[30]، والاهتمام، إلى جانب اهتمامات أخرى لوحدة حفظ الذاكرة، ” بذاكرة الأمكنة التي كانت شاهدة على انتهاكات أو تجاوزات في مجال حقوق الإنسان”[31].
- صدى مذكرة المجلس في تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد
2-4-1- التراث اللامادي مصدر للتنمية الاقتصادية
بعد تذكير التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد[32] بأن من مؤهلات بلادنا وإمكاناتها ” نجد أيضاً، الرأسمال اللامادي الغني والمتنوع للمملكة”[33]، دعا التقرير إلى ” تثميــن الرأســمال اللامــادي وتشــجيع البحــث والابتــكار فــي كل القطاعــات، ســواء فــي ميــدان الاقتصــاد أو فـي ميــدان التعليـم العالـي والبحــث العلمـي أو فـي مجـال الثقافـة”[34]، بما يستدعيه ذلك من تثمين للرأســمال اللامــادي كمصــدر للثــروة فــي حــد ذاتــه”[35]، كما دعا إلى وجوب ” اتخـاذ جملـة مـن التدابيـر الراميـة إلـى جـرد التـراث المـادي وجمعـه وتوثيقـه والمحافظـة عليـه وترويجـه وتثمينـه، وذلك بهـدف صـون مكونـات التـراث المـادي ومواكبتهـا بالمعرفـة والسـرديات التـي مـن شـأنها أن تضعهـا فـي الإطـار الخـاص بهـا. ويفـرض طابـع التشـتت الكبيـر للتـراث اللامـادي المحلـي أيضـا الحفـاظ عليـه بشـكل اسـتعجالي[36]. ومن أجل ذلك دعا التقرير، في نفس السياق، إلى ” وضـع إجـراءات محـددة علـى المسـتوى الجهـوي والمحلـي، مـن قبيـل إنشـاء متاحـف مخصصـة للتـراث اللامـادي ورقمنـة كل المحتويـات الثقافيـة اللاماديـة وتنظيـم فعاليـات منتظمـة حـول مـواد ثقافيـة (علـى سـبيل المثـال، مهرجانـات موسـيقية) وتقويـة التعـاون بيـن الحرفييـن والفنانيـن والباحثيـن وأخيـرا دعـم المرشـدين الثقافييـن الجهوييـن المصنفيـن والمكونيـن”[37]، وكذا تعبئـة كل الفاعليـن، من سـلطات عموميـة ومنتخبيـن ومجتمـع مدنـي وقطـاع خـاص، مـن أجـل المحافظـة علـى التـراث.
2-4-2- صون الذاكرة والعناية بالتاريخ
تفاعلاً مع توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ذكّر التقرير بأهمية صون الذاكرة الجماعية من خلال ” الأخـذ بعيـن الاعتبـار التاريـخ والحكـي المحلـي”[38]، كما نبّه على ” الـدور الهـام للتاريخ في
التطـور الهـادئ للبلاد وتوطيـد وحدتـه الوطنيـة”[39]. وفي هذا الإطار تبرز ألأهمية الكبرى ” لتكويـن جيـل جديـد مـن المؤرخيـن”[40] عبر ” تعزيــز وتشــجيع البحــث والتكويــن فــي ميــدان التاريــخ، مــع
تكريـس المقاربـات العلميـة والموضوعيـة مـن أجـل تفـادي التوظيـف غيـر المناسـب للمعطيـات التاريخية أو
اسـتغالها بشـكل غيـر سـليم فـي أغـراض قائديـة أو هوياتيـة . كمـا يجـب تشـجيع الحملات التحسيسـية
الموجهــة للجمهــور: تنظيــم دورات للتعريــف بالمــوروث الثقافــي، إنشــاء متاحــف محليــة، تكريــس أماكــن
الذاكــرة والهويــة، تطويــر مسلســات ســمعية بصريــة، أفـلام وألعــاب تثمــن المــوروث الغنــي، منتزهــات
للترفيـه ذات حمولـة تاريخيـة”[41].
خاتمـــــة
بالالتفات إلى ما تقدّم، يمكن إبداء الملاحظات التالية:
- تمثل مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول حفظ الذاكرة وثيقة جريئة مضموناً ومنهجاً؛
تتجلى هذه الأهمية على مستوى المضمون في إبراز الأهمية الإستراتيجية للعلاقة الوطيدة بين حفظ الذاكرة والنموذج التنموي انطلاقاً من قناعة أن استثمار التاريخ وحفظ الذاكرة، في بعدها الثقافي اللامادي خاصة، سيلعب دوراً حاسماً في إكساب هذا النموذج مزيداً من الصلابة والاستدامة؛ لا من حيث “المنافع” الاقتصادية المباشرة لذلك، ولا من حيث تأمين الأمن الروحي، ومن ثم الاستقرار الأمني، وتعزيز اللحمة الوطنية بتحرير الطاقات الخلاقة من أجل الانخراط الايجابي في ورش التنمية بما يقتضيه ذلك من عدالة مجالية واجتماعية وثقافية من شأنها إزاحة الكوابح المعطلة لقاطرة الانخراط في التنمية، بسبب ما راكمه ثقل التاريخ وأثر الذاكرة من إحباطات سابقة؛
- وعلى المستوى المنهجي، تكمن أهميتها في قراءة ظاهرة الاحتجاجات، التي شهدتها بلادنا مؤخراً والتي هي السبب الأساسي لنزول المذكرة التي نحن بصددها، في ضوء ” براديغم الفهم” الذي يبحث عن الدوافع والأسباب البعيدة Les raisons، وذلك لاطلاع محرري هذه الوثيقة على المعطيات المتجددة للأبحاث النظرية والميدانية والاضاءات المتعددة للعلوم الإنسانية في هذا المجال، متجاوزة بذلك ” براديغم التفسير” التقليدي الذي يبحث عن الأسباب القريبة والمباشرة Les causes؛
- لكي تترجم التوصيات المتضمنة في تقرير المجلس، والتي وجدت صدى إيجابياً في تقرير لجنة النموذج التنموي، إلى خطط برنامجية في السياسات العمومية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لا بد من “قانون للذاكرة” يكون بمثابة الأساس القانوني يحدد المفهوم والصلاحيات ومجالات التدخل والاشتغال والمتابعة.
—————
تنويه: أصل هذا المقال مداخلة في الندوة العلمية التي نظمها مركز الأبحاث الإنسانية والاجتماعية (جامعة وجدة – المغرب) في موضوع: الرأسمال اللامادي: رافعة للنموذج التنموي الاقتصادي الجديد بالمغرب، بتاريخ: 2 دجنبر 2021.
[1] Coalition internationale des sites de conscience , L’INTERPRÉTATION DES SITES DE MÉMOIRE, Étude commandée par le Centre du Patrimoine mondial de l’UNESCO
et financée par la Délégation permanente de la République de Corée , 31 janvier 2018, pp. 1-49.
[2] الحسن أسويق، سياسة الذاكرة: https://www.hespress.com/%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9
[3] Coalition internationale des sites de conscience , op.cit.
[4] Jean Davallon. À propos des régimes de patrimonialisation : enjeux et questions. Patrimonialização e sustentabilidade do património: reflexão e prospectiva, Nov 2014, Lisboa, Portugal.
[5] Coalition internationale des sites de conscience , L’INTERPRÉTATION DES SITES DE MÉMOIRE, Étude commandée par le Centre du Patrimoine mondial de l’UNESCO
et financée par la Délégation permanente de la République de Corée , 31 janvier 2018, pp. 1-49.
[6]Tuaillon, « Le patrimoine est le produit d’un travail de mémoire qui, au fil du temps et
selon des critères très variables, sélectionne certains éléments hérités du passé
pour les ranger dans la catégorie des objets patrimoniaux […]. » (Candau 2005 :119)
[7] UNESCO, Convention de 2003 pour la sauvegarde du patrimoine culturel immatériel. https://ich.unesco.org/doc/src/32697-FR.pdf
[8] عبارة “مواقع الذاكرة” نحتها المؤرخ الفرنسي بيير نورا في إطار مشروعه ” درجة ثانية في كتابة التاريخ “،
Voir Pierre Nora (dir.), Les lieux de mémoire, 3 t, 7 vol, Paris Gallimard,
1984-1992.
[9] Maurice Halbwachs, La mémoire collective. Paris, P.U.F., 1950
[10] Mémoire et patrimoine : pour une approche des régimes de patrimonialisation
Jean Davallon
[11] Jean Davallon, Mémoire et patrimoine : pour une approche des régimes de patrimonialisation, https://books.openedition.org/oep/444?lang=fr
[12] Ibid.
[13] ” إن الذاكرة والنسيان، خلافا لما قد يبدو للوهلة ألأولى ليسا على طرفي نقيض؛ إنهما وجهان لعملة واحدة. ومن مفارقات العلاقة الجدلية بين النسيان والذاكرة أن النسيان هو الذي يجعل الذاكرة ممكنة بحكم أنه لا وجود للتذكر على وجه الكمال والتمام. إن الذاكرة، كسيرورة انتقائية؛ تنير جزءا من الماضي فيما تترك جزءا آخر طي النسيان. إنهما معا الضامنان للتوازن النفسي وتوازن النظام المعرفي للفرد. وخلافا للحيوان الذي يعيش حاضرا أبديا وبدون تاريخ، فإن الإنسان محكوم بماضيه الذي لا يمكنه الفكاك منه. يتعذر عليه النسيان؛ لكنه في حاجة لأن ينسى ليحيا حياة متوازنة، وليبرهن على استقلاله وقدرته على الفعل. الذاكرة والنسيان معا يحيلان على العلاقة بالماضي وإشكالية تدبيره، بحيث أن النسيان المطلق (فقدان الذاكرة) ـamnésie ، كما تضخم الذاكرة ـ hypermnésie مضران بالصحة الفردية والجماعي”، الحسن أسويق، الذاكرة والنسيان، شوهد: الخميس 10 دجنبر 2015 https://www.hespress.com
[14] Jean Davallon, op.cit.
[15] Laurier Turgeon, L’esprit du lieu: entre le patrimoine matériel et immatériel, Presses Université Laval, 2010
[16] المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وحدة حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بمختلف روافده، ص. ص. 9. 31، www. Cndh.ma، 25 ماي، 2021.
[17] المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص 16.
[18] ” يطرح مفهوم الاعتراف من جهة أخرى، مسألة العدالة في بعدها الرمزي والاعتباري، ومسألة “الحق في الاختلاف” سواء تحت يافطة الجنس أو النوع أو العرق لحركات ذات هوية مشتركة تحركها مطالب العدالة الاجتماعية والاعتراف الثقافي في نفس الوقت”: .( Nancy Frazer, Justice sociale, redistribution et reconnaissance, La Découverte Revue de Mauss,20041, no.23,pp.152 a 164).، الحسن أسويق، “حراك الريف بين سؤال الاعتراف وسياسة الذاكرة”، ص. ص. 147- 156، مجلة الربيع، العدد 9، 2018، (تنسيق: محمد السعدي). يمكن الرجوع أيضاً إلى:
محمد سعدي، شباب حراك الريف بالمغرب والذاكرة الجمعية الحارقة: الاعتراف كمدخل لمصالحة الدولة مع الماضي الأليم ، مجلة عمران، العدد 33، يوليو 2020
https://omran.dohainstitute.org/ar/Issue033/Pages/art02.aspx
[19] المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص. 18.
[20] نفسه.
[21] نفسه.
[22] نفسه.
[23] نفسه
[24] نفسه
[25] نفسه
[26] المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص 14
[27] ” في قصة “فونس قوي الذاكرة”) : (Funes el memorioso, Jorge Luis Borges, Ficciones, 1944. يحكي الكاتب الأرجنتيني المعروف خورخي لويس بورخبص عن شاب يعاني “تضخم الذاكرة” فأصبت تثقل عليه الذكريات إلى درجة أنه، بعد تعرضه لحادثة السقوط من فوق حصان، لا يقدر على نسيان أي شيء؛ يتذكر أتفه التفاصيل. تحولت ذاكرته، الجامعة المانعة، المعصومة من الخطأ والتي لا يعزب عنها أي شيء، من هبة إلى لعنة، بحيث “يتمتع” بفيض من التذكر جعله يبقى أسير الماضي وحبيس الادراك الذي لا يرقى إلى درجة الفهم، كما حرمه من الزمن الحقيقي للحياة المعيشة. لقد شكلت القدرة الاستثنائية لإرينيو فونس على التذكر مأزقاً حياتياً رهيباً، وجوهر مأساته التذكر البالغ الدقة والاكتمال المفضي إلى تعطل القدرة على التفكير؛ لقد ظل فونس يعيش تحت وطأة ووزر ذاكرته، التي شبهها ب”كومة الأزبال”، إلى أن قضى نحبه.
العبرة المُستخلصة من قصة فونس هي أن تضخم الذاكرة Hypermnésie مضر بالصحة الفردية أيما ضرر؛ إذ يمكن أن تكون وبالا على صاحبها إذا لم يستطع تدبيرها والتحكم فيها.وهذا الضررلا يقل خطورة عن ضرر فقدان الذاكرة Amnésie سواء على المستوى الفردي أو الجماعي؛ لذلك وجب البحث عن “ذاكرة عادلة” توازن بين الإثنين وفق مبدأ ؛لا إفراط ولا تفريط، بحيث يصبح النسيان شرطاً للذاكرة ووظيفة من وظائفها”،
الـحـسـن أسـويـق، “الــذاكــرة الـتـاريـخـيـة بـالـريـف … حـتـى لا تـتـحـول الــذاكــرة إلــى وزر”، أنــوال نــت،
10/5/2017 ،شـوهـد في 25/2/2020 ،في: 2vnta5M/ly.bit://http
[28] المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، ص 10
[29] الـحـسـن أسـويـق، “الــذاكــرة الـتـاريـخـيـة بـالـريـف .. حـتـى لا تـتـحـول الــذاكــرة إلــى وزر”، أنــوال نــت،
10/5/2017 ،شـوهـد في 25/2/2020 ،في: 2vnta5M/ly.bit://http
[30] المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص 14.
[31] نفسه.
[32] اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، النموذج التنموي الجديد، التقرير العام – التقرير العام، أبريل 2021.
[33] اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، ص, 19.
[34] المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص, 70,
[35] المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص, 70,
[36] المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص, 70,
[37] المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص. 112.
[38] المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص. 113.
[39] نفسه.
[40] نفسه.
[41] نفسه.