السكناوي الغلبزوري
من يتأمل وَيثَبتَ نَظَرَهُ في ملامح بعض “ممثلي الأمة” بهذا الجزء من الوطن؛ أكيد ستتشكل لديه قناعة تفيد أن وجوه هؤلاء فقدت شيئا ما. نعم؛ وجوه أصبحت شاحبة وامتقع لونها؛ قد يقول قائل أن الأمر عادي؛ فهي وجوه عمرت لعقود من الزمن وطبيعي أن ينال منها الوهن. وجوه فقدت الكثير من نضارتها وطراوتها؛ وأيضا لا غرو في ذلك فهي تهجر النوم ولا تنام الليل كله؛ بل هي أسهر من النجم؛ نعم كل ذلك من أجل الأمة! وجوه فقدت بريقها وحسنها وصفاءها وأصبحت واهنة؛ وارتفع منسوبها من العياء وهي تطوي المسافات – كل هذه المدة- نحو القبة الموقرة. نعم؛ بعد كل هذه العقود فقد بعض السياسيين والبرلمانيين الشيء الكثير فقدوا شيئا أهم من النضارة؛ شخصيا كنت اشعر أن هؤلاء فقدوا شيئا أغلى ربما من حسن وجههم. كنت أشعر؛ ومنذ زمن طويل؛ أنهم فقدوا شيئا ما؛ حتى وإن لم أكن أدري حينها ما الذي فقدوه بالضبط. ولكن مع القرار الذي صدر عن المحكمة الدستورية أخيرا أدركت أن ما فقده هؤلاء هو ماء الوجه. نعم ماء الوجه ولكن في الحقيقة ماء الوجه لم تفقده هذه الوجوه بقرار المحكمة؛ لأن ذلك حصل منذ زمان. القرار ربما كان بمثابة مِرْآة عكست الضوء على هذه الوجوه مع الحفاظ على الصفات الأصلية؛ أكيد هذا هو الذي حصل؛ ربما فقط هي مناسبة حتى تنظر هذه الوجوه إلى نفسها. بالنظر إلى نفسهم سيدركون بسرعة أن الوهن نال منهم؛ ولكن سيقتنعون أيضا أن وجوههم فقدت الكثير من الماء. شخصيا؛ وعكس الرأي السائد؛ كنت دائما أعتبر أن ممثلي الأمة بمدينتي فقراء؛ بل هم في الحقيقة جد فقراء حتى وإن راكموا الأموال والثروات؛ الأملاك والعقارات؛ ويركبون أفخم السيارات؛ بل حتى وإن عددوا في الزوجات فهم فقراء. فلا يمكن أن يكون “ممثل الأمة” غنيا وثريا وهو لا يملك بمسكنه؛ أو على الاقل؛ بمقر حزبه مِرْآة ينظر إليها بين الفينة والأخرى. ولا أظن أن ممثلي الأمة بهذا الجزء من الوطن يملكون المِرْآة؛ لأنه لو كانوا يمتلكونها لكانوا قد أحجموا عن كل الأشياء التي تيبس الوجه وتذهب ماؤه… ففي نظري المتواضع؛ لو كانوا ينظرون إلى المِرْآة ما لبثوا على حالهم شهرا ولا حولا؛ وكانوا سيكتشفون بسهولة أنهم فقدوا ماء الوجه. وإذ قال الشاعر العباسي صالح بن عبد القدوس عن الذي قل ماء وجهه هذه الأبيات:
إذا قلَّ ماءُ الوجهِ قلَّ حياؤهُ
فلا خيرَ في وجهٍ إذا قلَّ ماؤهُ
حياءَك فاحفظْه عليك فإنَّما.
يدلُّ على فضلِ الكريمِ حياؤهُ.
فما عسانا؛ أعزكم الله؛ نقول في الذين فقدوا هذا الماء كليا!!