شكل إصلاح نظام المقاصة، الذي قاده رئيس الحكومة الأسبق، الأستاذ عبد الإله ابن كيران، محطة تاريخية للبلد، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، بشهادة أعضاء الحكومة الحالية نفسها، والتي اعترف رئيسها ووزيرها في الميزانية، باستحالة إعادة دعم المحروقات إلى صندوق المقاصة.
والسبب، وفق المتحدِثَينِ نفسهما، هو ما سيخلفه هذا الأمر من ما وصفوه بالثقب في الميزانية، وبإيقاف ميزانيات لا مجال للسماح بوقفها، كالصحة والتعليم والاستثمار وورش تعميم الحماية الاجتماعية.
غير أنه أمام حقائق التاريخ الفاقعة، تأبى بعض الأصوات إلا أن تردد الأسطوانة المشروخة ذاتها، بأن مسؤولية الغلاء الحالي في أسعار المحروقات، وما يكابده المواطنون بسببه، مرده إلى هذا الإصلاح.
والحقيقة أن من يردد هذا الكلام بحسن نية، إنما تعوزه المعرفة والمعلومة، وهذا يتحقق علاجه بالبحث والانصات إلى تفسيرات ابن كيران إبان الشروع في هذا الإصلاح وما بعده، وإلى غيره أيضا من السياسيين والاقتصاديين، والموازنة بين الآراء.
وأما من يردده اليوم تدليسا على المواطنين واستغباء لهم واستغلالا لمعاناتهم جراء ما يقع، فلا سبيل لإقناعه بأي حجة أو برهان، مهما كانت قوتها وبلغت من الصلابة والتماسك، ذلك أن أمثال هؤلاء، إما قد أعماهم التعصب الأيديولوجي المقيت، أو جعلوا من أنفسهم عبيدا لمن يدفع أكثر ويملأ لهم الرصيد.
إن السبب الرئيس في غلاء المحروقات بالمغرب، ليس هو الإصلاح التاريخي الذي تم على صندوق المقاصة، بل هو تحالف وتكالب أرباب المحروقات، واتفاقهم على رفع السعر، وعلى القضاء على أي منافسة بينهم.
وهذا الاتفاق لم يعد بحاجة إلى دليل، إذ يراه كل المغاربة بأم أعينهم في كل المحطات، ويعايشونه ويكابدون تأثيراته باستمرار، في ظل صمت وضعف وترهل مؤسسة مجلس المنافسة، عن القيام بدورها القانوني وواجبها الدستوري ومسؤولياتها الأخلاقية.
إن النداء الذي نريد توجيهه لمجلس المنافسة، هو أن تستجيب لنداء جلالة الملك في خطابه قبل أيام، والذي دعا إلى الجدية، وإن الجدية المطلوبة من مجلس المنافسة، كفيلة بمعالجة الوضع، ومحاسبة المضاربين والمحتكرين والمتواطئين، وحين ترجع الأمور إلى نصابها، سينقشع هذا الغبار الكثيف الموجه إلى أعين المواطنين، وسيتبين لهم، أن الإشكال ليس في الإصلاح، بل في قوى لا تريد منه أن يكون إصلاحا، وتريد استغلال السلطة للحفاظ على مصالحها، قوى لا يهمها أبدا معاناة المواطنين ولا آهاتهم، وكيف يعنيها ذلك وقد اشترطت ذات يوم أن لا يتم توجيه دعم مباشر للفقراء وذوي الهشاشة!!! ألهؤلاء قلب على الوطن أو “كبدة” على المواطنين؟
متابعة