أسعاره فوق ” الشواية ” وأزمة الثلج تزيد في معاناة المهنيين
يشكل السمك عند غالبية الأسر بمدينة الحسيمة وجبة لابد أن يحتوي عليها البرنامج الأسبوعي للأكل، فهو طبق يستهلكه الفقير والغني على حد سواء. ويظل السمك بالمدينة غالي الثمن على العموم، وتظل أنواع منه لايعرفها المواطن العادي إلا من خلال رؤيتها في الأسواق، خاصة “الصول ” و”الكالامار ” و”الجمبري ” و” الميرلا”. عرفت أسواق مدينة الحسيمة، خلال عشر سنوات الأخيرة، ارتفاعا مهولا في أسعار السمك، رغم أنه بضاعة محلية يمنحها البحر في إحدى خيراته إلى سكان هذه المنطقة، ذات موقع إستراتيجي يتميز بإطلالته على البحر الأبيض المتوسط إلى درجة بات معها المواطن غير قادر على سد احتياجاته من هذا المصدر الغذائي المهم. وتفيد جميع الحقائق، أن ميناء الحسيمة، تحول من مصدر إلى مستورد للمنتجات البحرية، بعد أن كانت أسواق المدينة في السابق تعرف بوفرة السمك وتنوعه، وكان بمقدور جميع الشرائح الاجتماعية اقتناؤه لرخص ثمنه، بل وصل الأمر بالعديد من المواطنين إلى النفور من اقتناء ” السردين ” و”حلاما ” و” الرايا”، وأنواع أخرى من السمك، وكان سكان المدينة في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات يفضلون سمك “الشطون” على الأنواع الأخرى، إذ كان ثمنه لايتعدى درهمين.
هجرة مسترسلة لمراكب صيد السردين
عرف ميناء الحسيمة هجرة مسترسلة لمراكب صيد السردين. وأفادت مصادر مهنية، أنه من أصل أزيد من 34 مركبا لصيد السردين التي كانت تعمل بسواحل الحسيمة، لم يبق بالميناء نفسه، سوى أربعة مراكب من الصنف ذاته، منها اثنان صغيران. وأضافت المصادر أن المراكب الأخرى هجرت كلها باتجاه موانئ القنيطرة وطنجة، بحثا عن محصول صيد أوفر، فيما عمد بعض أرباب مراكب أخرى إلى بيعها بسبب الظروف التي يعيشها قطاع الصيد البحري بالحسيمة. وباتت الحسيمة تستورد أزيد من 80 بالمائة من حاجياتها من الأسماك، بعدما كانت في السابق مصدرة لهذه المادة الحيوية. وأصيب ميناء الحسيمة بما يشبه الشلل بعد هجرة مراكب صيد السردين، وأصبح الإفلاس يطوق المدينة التي تعتبر هذه الوحدة الاقتصادية قلبها النابض، وذلك في الوقت الذي لم تحرك فيه الوزارة الوصية ساكنا، تاركة الأمور تسير نحو الأسوء، رغم التقارير التي سبقت أن أثارت هذا الموضوع. ويستغرب العديد من المهتمين بقطاع الصيد البحري بالحسيمة، الصمت غير المبرر للوزارة الوصية على هذا الشلل والركود اللذين يعرفهما ميناء الحسيمة، والتزامها الصمت حيال الإكراهات التي تحد من تطوير قطاع الصيد البحري بالمنطقة.
سمك ” النيكرو ” يكبد مراكب الصيد خسائر فادحة
أفادت العديد من المصادر أن مراكب صيد السردين رحلت عن ميناء الحسيمة بعدما اكتوى أربابها بالخسائر الفادحة التي تكبدتها جراء تعرض شباكها لهجومات من قبل الدلافين الكبيرة أومايصطلح عليها محليا ب”النيكرو “، التي تتلف شباكهم وتلحق بهم خسائر لايمكن التعايش معها أواستساغها. وكانت شكاوي المجهزين المنتظمين في إطار الجمعية العصرية لأرباب مراكب الصيد وجمعية أرباب مراكب الصيد بالحسيمة، والمتعلقة بالهجومات العنيفة التي تشنها الدلافين الكبيرة على شباك صيد السردين، حيث تأتي على محصول الصيد، شكلت حالة استنفار قصوى في رحاب الوزارة الوصية التي سارعت في الشروع في مناقشة التدابير التي ينبغي القيام بها، لحماية الصيادين من هذه الحيتان التي تأتي على محصول صيد المراكب من الأسماك وتخلف وراءها شباكا ممزقة. وتهاجم الدلافين الكبيرة الشباك بشكل جماعي وتمزقها، مايخلف فيها ثقوبا كبيرة تخرج عبرها كل الأسماك المصطادة. وتتكبد المراكب خسائر فادحة تتمثل في ضياع البنزين وإعادة ترميم وخياطة الشباك والعودة إلى الرصيف دون محصول سمكي، ما عرضها للإفلاس نتيجة الاختلال الكبير في ميزان العائدات والمصاريف المالية. ويضطر المجهزون إلى استبدال شباك الصيد كل سنة، والتي يفوق ثمنها 600 ألف درهم. وراسل المجهزون في أكثر من مناسبة وزارة الصيد البحري والمعهد الوطني للبحث في الثروات الزراعية، لدعوتهما للقيام بأبحاث من شأنها أن تكشف أسباب التكاثر غير الطبيعي لهذا النوع من الدلافين بالمنطقة دون مناطق أخرى في المغرب، للحد من وجودها المكثف بسواحل الحسيمة أوالتوصل إلى تقنيات تستطيع إبعاد هذه الوحوش البحرية عن شباك الصيادين، ورغم ماتم تجريبه من تجهيزات في هذا الإطار فإن ذلك لم يزد سوى في شهية الدلافين في ابتلاع الشباك وماتحويه من محصول. وحسب مصدر مطلع، فإن الدلفين الكبير عرف تكاثرا كبيرا بعد حضر استعمال الشباك المنجرفة، وأصبح يغزو كل السواحل والمياه القريبة من مصايد الأسماك التي ترتادها عادة مراكب الصيد المنتمية لميناء الحسيمة. ويرى العديد من المهنيين أن تقديم تعويضات للمجهزين على الخسائر التي يكبدونها، ومدهم بالمساعدات الضرورية هو السبيل الوحيد للتخفيف من هذه الأضرار التي لحقت بهم، وكذا من حالة الشلل التي يعرفها ميناء الحسيمة، ومن خلاله الحياة الاقتصادية بالمنطقة التي يستهلك سكانها السمك المستورد من المحيط الأطلسي، بعدما كان الميناء إلى عهد قريب يصدر أجود الأسماك إلى معظم الأسواق المغربية والخارجية
أسعار السمك ” فوق الشواية “
تشهد أسعار السمك وفواكه البحر ارتفاعا كبيرا في هذه الفترة، بسبب هجرة مراكب الصيد، وتوقف بعضها عن الصيد. وبات المواطن بمدينة الحسيمة غير قادر على سد احتياجاته من هذا المصدر الغذائي المهم بسبب الغلاء. ويرى العديد من مهنيي قطاع الصيد البحري بالحسيمة، أن الوضعية المتدهورة للمصايد، انعكست سلبا على مردودية أسطول الصيد البحري بجميع أنواعه، مما أدخل الخوف في نفوسهم على مستقبل القطاع، بل وأن الأمر جعل العديد منهم يرحلون بمراكبهم نحو موانئ أخرى، خاصة المضيق والناظور وطنجة. وساهمت إشكاليات عديدة في تفاقم الوضعية العامة، والمرتبطة أساسا بالتراجع الخطير في حالة المصايد بجميع أصنافها، مما يتطلب توغل مراكب الصيد بعيدا في عرض البحر ولوقت طويل للبحث عن أجود المصايد وأوفرها سمكا، بسبب قلة الموارد. ويغالي التجار كثيرا في الأسعار، إذ وصل ثمن الكيلوغرام الواحد من سمك السردين 50 درهما و” الصول ” 150 درهما، و”الروجي” 80 درهما و” الشرن ” 40 درهما و”الباجو ” 60 درهما، وسمك ” الدرار” 140 درهما، ما يجعل المستهلك يلجأ إلى الأسماك المستوردة من العرائش والدار البيضاء والناظور والمضيق، خاصة سمك ” شطون ” و” الشرن ” و” الروجي ” .
أسماك عابرة تفتقد الطراوة والجودة
أصبح ميناء الحسيمة مفتوحا على مصراعيه للأسماك العابرة ( ترانزيت )، بما فيها الأسماك الناقصة الجودة والطراوة المستوردة من موانئ أخرى، وتلك التي يتم صيدها من قبل مراكب الصيد بأكادير والعرائش وطنجة والمهدية وسواحل شملالة وبوغافر وسيدي احساين بإقليمي الناظور والدريوش، وذلك بعد أن رفع كل من المكتب الوطني للصيد البحري، والمكتب الوطني للسلامة الغذائية بالحسيمة يديهما عن مراقبة تلك المنتجات البحرية، الناقصة الجودة التي بدأت تجد طريقها بسهولة للبيع في أسواق المدينة وتنتهي غالبا على موائد المواطنين، الذين يقبلون على شرائها، حيث تعرف المحلية منها ارتفاعا كبيرا جعل أسعارها تحلق بعيدا عن جيوب المواطنين. وقالت بعض المصادر بميناء الحسيمة إنه مباشرة بعد إلغاء الضريبة المفروضة على سمك ” الترانزيت “، والتي كانت تقدر ب 8,25 من قيمة المبيعات ، تنصلت بعض الجهات من مسؤوليتها في مراقبة السمك المهرب من مناطق أخرى لإعادة بيعه بميناء الحسيمة في ساعة مبكرة من صباح كل يوم ، علما يضيف المصدر أن هذا النوع من السمك الدخيل قد يشكل خطرا جديا على صحة المستهلكين نظرا لعدم استيفائه لشروط المراقبة من حيث السلامة الصحية والجودة ، كما لا يستوفي شروط القيمة التجارية أحيانا. ويضطر بعض المهنيين إلى استيراد كميات من السمك الذي يصفه المواطنون بغير الطري من مدن العرائش والناظور ورأس الماء والجبهة والمضيق، كما لو أن الحسيمة لا ساحل لها. ويؤكد العديد من المصادر أن الأسماك الطرية بمدينة الحسيمة قليلة مقارنة مع السنوات الماضية، وسكان الحسيمة يستهلكون السمك المستورد، وإن على الجهات المعنية بحماية صحة السكان، مراقبة الأسماك المستوردة، لأنها تفقد طراوتها نتيجة المسافة التي تفصل الحسيمة عن هذه المدن.
معاناة المهنيين مع أزمة الثلج بالميناء
أكد مهنيون بقطاع الصيد البحري بميناء الحسيمة، أن حاجيات الأخير اليومية من مادة الثلج، لا يوفرها المعمل الوحيد لإنتاج هذه المادة، معتبرين أن الوضع غير قابل للمزيد من التجاهل، و أن ما يعرفه قطاع الصيد و تجارة السمك، من خصاص في مادة الثلج يضرب أهداف إستراتيجية ” أليوتيس “، ومنها تثمين المنتوجات البحرية، بهدرها وتبخيسها حيث يضطر المهنيون لبيع منتوجهم الذي يفتقد للثلج بأثمنة رخيصة، ما يؤدي إلى تفويت أموال مهمة عليهم وعلى البحارة، الذين يعانون من مشاكل غلاء المحروقات وتراجع المفرغات. وعزا مهنيون مشكل نقص الثلج بميناء الحسيمة، لكون المعمل الوحيد لإنتاجه، لا يستطيع تلبية حاجيات التجار والمراكب من هذه المادة الحيوية، خاصة في هذه الفترة من الصيف، وكذلك تزود موانئ كلايريس وسيدي حساين والجبهة بحاجياتهم من هذه المادة من ميناء الحسيمة، ما جعل معظم المراكب لا تنال حاجياتها من الثلج الذي يتسبب افتقاده إلى انهيار في أثمنة الأسماك بشكل كبير. المجهزون وربابنة الصيد ومعهم البحارة مازالوا حائرين، في كيفية تدبير الثلج لصيانة محاصيل صيدهم، خاصة وأن الأسماك الطرية لا يمكنها الصمود والحفاظ على جودتها دون ثلج لأزيد من ساعات قليلة أمام الارتفاع الكبير في الحرارة الذي تشهده الحسيمة في هذه الأيام من الصيف. ويتكبد أصحاب مراكب الصيد في هاته العملية خسائر مالية مهمة، قد تنجم عنها تبعات كبرى لدى البعض خاصة وأن الأمر يتعلق بالصيد الساحلي، الذي يشغل نسبة مهمة من اليد العاملة بالميناء، متبوعا بقوارب الصيد والتجار الذين يتقاسمون المعاناة نفسها. من جهة أخرى أكد مسؤول بشركة ” إكسبال ” التي تدير الوحدة الوحيدة لإنتاج الثلج بميناء الحسيمة، أن الأخيرة تنتج ما قدره 130 طنا من هذه المادة، وأن الأولية تمنح لتزويد مراكب الصيد والتجار، موضحا أنه لا يمكننا لحدود هذه الفترة من الصيف التحدث عن خصاص في الثلج بالنسبة لمهنيي القطاع، مشيرا إلى أن هذه الوحدة تقوم بتزويد كذلك ميناء كلايريس والجبهة بإقليم شفشاون، وسيدي حساين بإقليم الدريوش، ومناطق مهمة من إقليم تاونات، علاوة على السكان المحليين الذين يحتاجون لهذه المادة لتبريد متطلبات الحفلات خاصة بالوسط القروي. المسؤول ذاته أكد أن ميناء الحسيمة، يحتاج لأكثر من وحدة لإنتاج الثلج، خاصة في فترة الصيف التي يكثر فيها الإقبال على هذه المادة الحيوية، مشيرا إلى أن وحدته ولحدود اللحظة تقوم بتدبير هذه الأزمة دون أن تؤثر على منتجات البحر، وعلى نشاط التجار فيما يتعلق بمقتنياتهم من الأسماك، مؤكدا أن الأولية يتم منحها للحسيمة فيما يتعلق بتأمين حاجياتها من هذه المادة.
جمال الفكيكي