عبد اللطيف مجدوب
8 سبتمبر ؛ محطة لمساءلة ضمير القراءة
كثيرة هي الأقوال المتداولة حول استفحال “ظاهرة” الأمية الأبجدية في بلدان لغة الضاد ، باعتماد كل وسائل التقصي والبحث والإحصاء والمعاينة ، على رأسها يأتي بيت شعري أو بالأحرى صرخة أبي الطيب المتنبي التي ما زالت مدوية رقم قدميتها في الزمن ، إذ يقول “ياأمة ضحكت من جهلها الأمم !” ؛ يليه قول لصيق بالهوية الدينية ” أمة اقرأ لا تقرأ” ؛ ” إذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يعملون وإذا…” ؛ ” شعب لا يقرأ شعب تتعاظم اصطداماته” ؛ ” الشعب الذي لا يقرأ كثيراً لا يعرف الكثير ، والشعب الذي لا يعرف الكثير من المرجح أن يتخذ خيارات سيئة في المنزل والسوق وصناديق التصويت…”
ظاهرة الأمية وتوظيفها
يجب القول ؛ وفقاً لإحصائيات رسمية أممية ؛ إن الشعوب العربية لا يتجاوز معدل قراءتها السنوية 6 دقائق! ما يعني أن هذه الظاهرة قديمة ، والمفارقة أن نسب أرقامها في تصاعد بالرغم من تطور وسائل القراءة وإمكانياتها المتاحة . ولمقاربتنا لهذه الآفة تستوقفنا ظاهرة أخرى لا تقل خطورة عن الأولى ؛ ويتعلق الأمر باستبدادية الرأي والسلطة في معظم الأنظمة السياسية الحاكمة التي قطعت وعدا على نفسها بسعيها الحثيث إلى قطع دابر كل مناهض لها في الخطاب السياسي ، ومن ثم امتدت أياديها إلى كتاب ومفكرين وأصحاب رأي وكل ناقد سياسي ، إما بتصفيته أو القذف به في غياهب السجون ، هذا فضلاً عن صناعة الكتاب وما لقيته من تحديات كبرى ؛ انتهت بدور النشر والمطابع إلى الإغلاق والإفلاس.
وحري بنا ؛ ونحن نتعقب ظاهرة الأمية ؛ التأكيد على حقيقة أن مجتمعاتنا لا تنتج المعرفة ، وبالتالي فصفة المعرفة منتفيةعن كل اتجاهاتها واختياراتها ومواقفها ، وتعاطيها لوسائط التواصل الاجتماعي التي تكرس ؛ في مراميها ؛ الجهل والخرافة والدجل.
القراءة “الرقمية”
مع استفحال انتشار الأجهزة الرقمية ، بما فيها الهواتف الذكية؛ وجد فيها المواطنون ضالتهم ، فراحوا يستفسرونها ؛ عبر الصور وأشرطة الفيديو ؛ عن كل صغيرة وكبيرة ، وبأجوبة جاهزة ؛ يختلط فيها الدجل والاستهداف بالتعتيم والتزييف والدعارة ، وبلغة أقرب إلى العامية منها إلى الدارجة المبتذلة . ونستثني من هذا التعميم فئة من القراء ؛ دافعهم إلى تصفح منتوج ورقي أو رقميحاجياتهم الآنية الملحة ، كقصاصات الزيادة في الأسعار أو مواقيت مباريات كرة القدم ، أو البحث في سوق الخدمات والبيع والشراء .
مجتمع لا يقرأ مجتمع تتعاظم مصائبه!
لنتصور مجتمعا يفتقد إلى أقل مستوى من القراءة والمعرفة ، وتداعياته بخصوص عدة قضايا ؛ كتعاطيه للتربية والخدمات والطرقات والسياقة والإدارة.
وقد أثبتت الملاحظة الأمبريقية “العلمية” Empirical؛ وبما لا يدع هامشا للشك ؛ أن مجتمعا هذه خصوصياته ، سيكون بمثابة بركان جراء احتدام واصطراع مساعيه وخدماته وكفاحه اليومي ، يمكن بسهولة للباحث أن يستشف منها طغيان ظاهرة الإنوية والبربرية الفجة التي ترافق مواقفه وسلوكياته ، أنى ذهب وارتحل ، وينشأ عنها عادة مجتمع مثقل بالقضايا العويصة والحوادث المميتة والمواقف جد معقدة والعنف بجميع صوره وأشكاله ، ولنا في الميادين الرياضية ومحطات الحافلات والأسواق والمرافق الإدارية أفضل دليل ومؤشر على السلوك الهمجي والتدافع البغيض واللغط الحارق والتعقيد الإداري…
أمام هذه الآفة ، ولإيقاف نزيفها وما يترتب عنها من تحديات مالية تجاه خزينة الدولة ، يجمل بالسلطات الحكومية تشجيع فعل القراءة والنهوض بها أو بالأحرى السعي بها إلى خلق مجتمع المعرفة والقطع نهائيا مع مجتمع الدجل والنصب والاحتيال والتعتيم.