*أبو علي بلمزيان
بعد عدة مساعي لتبني قرار من طرف مجلس الامن الدولي منذ السابع من اكتوبر وما قبله، لتوقيف العدوان والجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني ، توصل ذات المجلس يوم الاربعاء 15 نوفمبر 23 الى تبني قرار تقدمت به مالطا يدعو الى هدنة إنسانية وفتح المعابر مع الافراج الفوري للرهائن لدى حماس وباقي المنظمات الفلسطينية الاخرى .. القرار 2712 اعتمد من طرف مجلس الامن رغم امتناع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بسبب عدم إدانة حماس وامتناع روسيا كذلك لعدم ادخال التعديل الشفوي التي تقدمت به حول الهدنة الفورية والدائمة وتوقيف الاعمال العدوانية .. – القرار لا يشير إلى 11 الف قتيل، يوجد ضمنهم عدد كبير من الاطفال والنساء، كما لا يشير القرار إلى الخرق السافر لإتفاقية جنيف حول حماية المدنيين اثناء الحرب ناهيك عن الهجوم الوحشي على المستشفيات وقتل الاطفال وازهاق ارواح المدنيين وقصفهم بالفوسفور الابيض المحرم دوليا .. – القرار ، على علاته، لا يتوفر على ضمانات التنفيذ على أرض الواقع، وبالتالي يكون مجلس الامن الدولي قد تكلم من أجل الكلام، والكيان ماض في جرائمه ولا توجد قوة للوقوف في وجهه. – القرار يساوي بين الجلاد والضحية، يلزم الفصائل الفلسطينية بالإفراج الفوري عن الرهائن دون الحديث عن اي مقايضة مع الاف من المعتقلين الفلسطينيين الموجودين في سجون الاحتلال وكذا إنهاء الاحتلال نفسه وإرجاع الارض للفلسطينيين وفق القرارات المملة للأمم المتحدة ولا سيما قرار التقسيم 181.. إن دور مجلس الامن انتهى منذ زمان، ولم يعد له اي دور في حفظ الامن والسلم الدوليين، وجعل العالم يخوض في فوضى بلا نهاية .. إن الدول المشكلة لمجلس الامن الدائمة العضوية هي جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل، وهي اطراف غير محايدة تكيف القرارات وفق مصالحها الجيو- استراتيجية باعتبارها دولا منتصرة في الحرب العالمية الثانية، تواصل توزيع غنائم العالم وفق نفس معايير سنوات نهاية الاربعينات، رغم ان العالم قد تطور بشكل مذهل .. هذه الدول الدائمة العضوية، بدون استثناء، ضغطت بشكل سافر اثناء التحضير لميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية سنة 1998 وتمكنت من النيل من استقلالها القضائي، بعد ان نالت ما تستحقها على صعيد تحريك الدعاوى وتوقيف التحقيق لمدة سنة قابلة للتجديد من طرف مجلس الامن الدولي ، وبذلك تكون هذه المحكمة قد فقدت استقلاليتها، ومع ذلك لم يبادر مجلس الامن في أي مرحلة من مراحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى مطالبة المدعي العام لتحريك مسطرة المتابعة في مرتكبي الجرائم من طرف الكيان، والتي تدخل في اختصاصها هي: الجرائم ضد الانسانية، جرائم الحرب، جرائم الإبادة الجماعية، جرائم العدوان … لقد فوتت الفرصة على الجنائية الدولية من طرف مجلس الامن نفسه، واهم محاكماتها كانت منصبة على الحلقات الضعيفة لمجرمين في افريقيا ولم تتجرأ يوما من الايام على مطالبة اي مجرم من مجرمي الكيان ، مما جعلها تحت وقع شبهة الكيل بمكيالين ، لا سيما انها محكمة دائمة مقرها بلاهاي ودخلت قانونها الاساسي حيز التنفيذ منذ 1 يوليوز سنة 2002 ، وصادقت على قانون المحكمة ازيد 123 دولة من اصل 193 دولة، فيما بقيت اسرائيل والولايات المتحدة وروسيا واكرانيا والصين …خارج العضوية ورفضت التصديق على القانون الأساسي للمحكمة فضلا عن العديد من الدول الاخرى .. لقد تم قبول دولة فلسطين سنة 2015 في عضوية الجنائية الدولية، ونظرا لكون الدول الأعضاء يحق لها المطالبة بالتحقيق في الجرائم ، غير ان الدول الاعضاء غير ملزمة بأي تحقيق يباشر ولا يمكن للجنائية الدولية تنظيم محاكمات غيابية او مباشرة اي تحقيق بأثر رجعي قبل سنة 2002 ، وهي مسؤولة عن محاكمة الاشخاص الطبيعيين ولا يعتد بالحصانة لرؤساء الدول والمسؤولية رفيعي المستوى .. لقد كانت المحكمة الجنائية الدولية نقطة نور لما ظهرت الى الوجود ، واحتفت به الأسرة الدولية والمنظمات الحقوقية باعتبارها ٱلية دولية للعدالة غير المتحيزة ووضع حد للافلات من العقاب في الجرائم الدولية .. غير ان وجود السلطة القاهرة لمجلس الامن هو الذي فوت الفرصة على هذه المحكمة الدولية، لانه الجهاز الوحيد الذي له صلاحية قوية للدعوة لتحريك الدعاوى ، بصرف النظر ، عن انخراط هذه الدولة او تلك في المحكمة، ويحق له ، تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، استعمال القوة لملاحقة مجرمي الحرب اينما كانوا، لان المحكمة الجنائية الدولية منزوعة القوة ولا تتوفر على شرطة خاصة بها. والخطأ الذي يحدث دائما حول الخلط بين المحكمة الجنائية الدولية في جرائم رواندا ويوغوسلافيا، على اعتبار أن هذه المحكمتين مؤقتة تمت بقرار من مجلس الامن ، انتهت مع انتهاء صدور الأحكام ، اما المحكمة الجنائية الدولية التي انبثقت عن ميثاق روما فهي محكمة دائمة لها جهاز منتخب من طرف مجلس جمعية الاعضاء في المحكمة .. الخلط الثاني يتعلق بمحكمة العدل الدولية ، هي محكمة تابعة للأمم المتحدة ، اما الجنائية الدولية فهي مستقلة، وتختص محكمة العدل الدولية في النزاعات بين الدول وهي محكمة غير دائمة .. وجب أن نختم بالقول ، ان ما يحدث في غزة اليوم هي بداية مرحلة اللاعودة ، يمكن معها إعادة النظر في كل الترسانة القانونية والمؤسسات الدولية ، إن ارادت الأسرة الدولية حماية الأمن والسلم العالميين، بدون ذلك فالعالم يسير نحو نهاية لا احد يتنبأ بتفاصيلها.
*سياسي وباحث مغربي