*خالد البوهالي
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام، أن الحلف الأطلسي لا يعتزم دعوة أوكرانيا إلى الانضمام إليه في القمة التي سيعقدها بواشنطن في يوليو/تموز المقبل، لأن الحلف بحسب الصحيفة لا يريد قبول عضو جديد قد يدفعه إلى صراع مع روسيا في أوروبا، مقترحا خطة بديلة تتمثل في تقديم دعم طويل الأمد لأوكرانيا.
إلى هنا، يبدو الحلف منسجما مع المبادئ التي قام عليها منذ تأسيسه في العام 1949، بعدم قبول عضوية أي دولة أوروبية غير مستقرة سياسيا وفي حالة حرب، حتى لا يجد نفسه مضطرا لتفعيل المادة الخامسة من الوثيقة التأسيسية للحلف التي تنص على أن “أعضاء الحلف يتّفقون على أن أي هجوم مسلّح ضد واحدة من الدول أو أكثر منهم في أوروبا أو أميركا الشمالية يعتبر هجومًا ضد كل الدول”. وبالتالي سيكون مُجْبَراً على خوض مواجهة عسكرية، هو في غِنًى عنها خصوصا مع خصم قوي من حجم روسيا الاتحادية.
ينبغي الإشارة إلى أن مسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ليس جديدا، بل كان مطروحا على عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج وولكر بوش، الذي أعلن بمناسبة انعقاد قمة الناتو ببوخاريست في 04 أبريل نيسان 2008، إمكانية أن تصبح ذات يوم أوكرانيا وجورجيا عضوتين في حلف الناتو، في إطار سعي الأخير للتمدد نحو الحدود الروسية في مسعى لتطويق روسيا جيوسياسيا، و كان الاعتقاد السائد حينها لدى الإدارة الأمريكية أن روسيا “دُبٌّ من ورق” و ليس بالقوة التي تجعله يقدم على القيام بردة فعل، و كأن روسيا لازالت تعيش حقبة الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين. فكان الرد الروسي صاعقا على الغرب في حرب جورجيا.
لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هل الغرب فعلا جَادٌّ بخصوص مسألة انضمام أوكرانيا الى الحلف الأطلسي أم فقط طُعْمٌ ابتلعه الأوكرانيون لِجَرِّهِمْ إلى الحرب ضد الروس؟
يكفي قراءة العديد من التصريحات الغربية حول الموضوع، حتى يتبين أنها تشير دائما إلى عبارة غامضة يرددها الغرب هي ” أن الانضمام سيحدث يوما” دون تحديد سقف زمني لذلك، و في كل مرة يسافر فيها الرئيس زيلينسكي إلى دول الغرب يمنحه زعماؤها جرعة تفاؤل خادعة، لدرجة أنه في أحد تصريحاته عقب زيارة لواشنطن قبل اندلاع الحرب، أن لديه إحساسا بقبول بلاده عضوا في حلف الشمال الأطلسي بات وشيكا، و زاد من تأكيده على ذلك أمام كلمة له أمام حشد بجمهورية ليتوانيا في تموز/يوليو من السنة الماضية، وهو الأمر الذي فَنَّدَتْهُ بعد ذلك التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي جو بايدن في يونيو حزيران من السنة الماضية، بأنه لن يُدَلّلَ العقبات التي تحول دون انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وهو ما أكده تصريح الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي أن انضمام أوكرانيا لحلف الشمال الأطلسي غير ممكنة لأنها غير متمتعة بالسيادة.
ويبدو من خلال التصريحين أن مسألة ضم أوكرانيا إلى حلف الشمال الأطلسي ليست بالأهمية الكبرى للغرب، بقدر ما هي ربما إغراءات وَوُعُودٌ قدمتها القوى الغربية لأوكرانيا للتغرير بها، ودفعها نحو المواجهة مع روسيا، من أجل استنزاف الأخيرة وتحطيمها، لأن هدف الغرب النهائي كان ولازال يتمثل في رؤية روسيا ضعيفة ومحطمة يستغلها جيرانها كما يقول المفكر الاستراتيجي الأمريكي زبيغينيو بريجنسكي في كتابه رقعة الشطرنج الكبرى.
يدرك القادة الغربيون أن روسيا لو انتصرت، سيكون أول شرط لها في المفاوضات معهم، تعهد خطي بعدم انضمام أوكرانيا للناتو، مع إجبار كييف على إجراء تعديل دستوري يشمل المادة 17 من الدستور الأوكراني الخاص بالسماح بإقامة القواعد العسكرية الأجنبية على الأراضي الأوكرانية، وسيكون الغرب حينئذ مرغما على قبول الشرط الروسي، وهو ما يعني عمليا عودة أوكرانيا إلى الحياد الذي كان سائدا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي إلى حدود العام 2014.
وفي حالة حدوث ذلك، سيجد القادة الأوكرانيون أنفسهم أكبر الخاسرين، بعد أن اسْتُنْزِفُوا اقتصاديا وعسكريا وبشريا وفقدوا مناطق حيوية كانت خاضعة لهم لصالح روسيا، عدت في يوم من الأيام شريان الاقتصاد الأوكراني، بعد أن ورطهم الغرب في حرب لا قبل لهم بها، فضلا عن الديون المتراكمة عليها بسبب المساعدات الغربية لها، وسيجعل البلاد في حالة تبعية دائمة للغرب عقودا طويلة.
لقد غاب عن ذهن الساسة الأوكرانيين، أن السياسة الخارجية للدول الغربية تتسم بالميكيافيلية منذ الأزل، إذ لا تمتثل لأي التزام أخلاقي أو سياسي مع غيرهم اللّهم فيما بينها، منها النكوص بالوعود والتنصل منها وإعطائها تفسيرات أخرى والتضحية بحلفائها، إذا ما رأت في ذلك مصلحة لها، اللهم إذا كان للطّرف الآخر ما يساومها به فيدفعها مُذْعِنَةً إلى الوفاء بما تعهدت به.
ختاما إن الغرب يتلاعب بأوكرانيا في مسألة الانضمام الى الناتو، ولا يعنيه سقوط الضحايا من العسكريين الأوكرانيين بقدر ما تهمه مصالحه المتمثلة في إضعاف روسيا، لأنه يعرف مسبقا أن أوكرانيا ستقاتل إلى آخر جندي من جنودها لكن متى سيستفيق الأوكرانيون من وهم الوعود الغربية؟ الجواب في قادم الأيام.
*كاتب وباحث مغربي في الشؤون الروسية