نسج علاقات مع سياسيين ونقابيين وأساتذة وكان موضع ثقة
إذا استوقفنا التاريخ لحظة، وأساسا في فترة السبعينات والثمانينات وجزء من التسعينات من القرن الماضي، للحديث عن أشخاص اشتغلوا بمقر الأمن الوطني الكائن بشارع طارق بن زياد بالحسيمة، يتبادر إلى أذهاننا المرحوم محمد اليزيد بنعيسى. مفتش الشرطة اليزيد، من الشخصيات التي بصمت على مسار لم يستطع توالي السنين محوه من الذاكرة الجماعية بالحسيمة، سيما أنه سليل منطقة أجدير، التي كان يقطن بها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي.
صديق الجميع
مسار مهني بصم عليه مفتش الشرطة المرحوم محمد اليزيد، وأهم ما ميز تجربته الطويلة في سلك الأمن، تواضعه وعلاقاته الاجتماعية التي كانت تمتد إلى الأحزاب السياسية والنقابات والأساتذة بالحسيمة، إذ كان يجالس مختلف الفئات الاجتماعية في مقاهي المدينة ويتجاذب معها أطراف الحديث حول العديد من القضايا. بعد مرحلته الدراسية بتطوان، حيث رافق والده وهو مازال طفلا صغيرا إلى هذه المدينة، تم تعيينه بالأمن الإقليمي للحسيمة. وقال رحمه الله عن تطوان إنه انبهر بشوارعها، وهو الريفي الصغير الذي هاجر الحسيمة، ولم يعتد رؤية بعض مظاهر الحضارة المتمثلة في مقاهي تطوان ومحلاتها التجارية وفنادقها وقاعاتها السينمائية، وما كانت تتميز به عن الحسيمة.
انتقام نافذ
بعد فترة عمل بمقر الأمن الوطني بالحسيمة، تم تنقيله إلى خنيفرة بشكل انتقامي بسبب سوء تفاهم حدث له مع أحد النافذين بالمنطقة المتحدرين من منطقته، بعدما رفض إقامة موسم بالمنطقة التي ولد فيها، في وقت أصر فيه الشخص النافذ على ذلك. بعد خنيفرة تم تنقيله إلى الناظور، ليعود من جديد إلى الحسيمة التي استقر فيها إلى أن وافته المنية.
نقاش حر بمليلية
يحكى عن الراحل محمد اليزيد، أنه كان يتقرب كثيرا إلى ممثلي النقابات والأحزاب، لا لشيء، سوى أنهم كانوا أصدقاءه، ضمنهم أحد الأساتذة المدعو “سي امحمد» الذي يتداول العديد من معاشريهما ما حدث بينهما بمدينة مليلية السليبة، حين قاما بزيارتها في ثمانينات القرن الماضي. فحين كانا جالسين بمقهى بالمدينة، طالب محمد اليزيد من “سي امحمد» مناقشة الأوضاع السياسية بالمغرب وأحداث الريف بحرية تامة باعتبارهما يوجدان بمليلية، ولا خوف عليه حيث يتمتع بكامل الحرية، فأجابه صديقه « ولكن راه غادي نرجعو للحسيمة السي امحمد”.
في خدمة الشعب
كان المرحوم داخل مقر الأمن يتدخل لدى مصالح الشرطة القضائية لإطلاق سراح بعض المواطنين الذين يتم إيقافهم بتهم بسيطة كالسكر العلني، كما كان يوجه آخرين حين يتم الاستماع إليهم في محاضر رسمية، كل ذلك من أجل تجنبهم المتابعة، بل كان يساعد معارفه على الحصول على جواز السفر الذي يمنح لصاحبه آنذاك الفرصة للسفر إلى الخارج بدون تأشيرة. كانت لمحمد اليزيد شخصية قوية، ومواقفه تعكس ذلك، فهو لم يكن يرفض طلب من يطرق بابه لمساعدته، ويؤازر المظلومين، ما جعل اسمه محفورا لدى الحقوقيين والمحامين والسياسيين، الذين التقوا به أو تعاملوا معه..
ثــــقــــة
لم تكن تفارقه الابتسامة، يستقبلك بمكتبه بمقر الأمن الإقليمي بالحسيمة بكل تواضع ويمنحك كرسيا للجلوس ثم الإنصات إليك. رغم وظيفته الأمنية، فقد كان يفتح نقاشات مع مناضلين يساريين خاصة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، داخل مقهى توجد وسط مدينة الحسيمة، حيث كان يثق فيه سياسيو ونقابيو المنطقة ولا يتوجسون منه، لأنه كان يعتبر نفسه جزءا منهم، بل استفاد منهم حيث تمكن من تنمية معارفه في مختلف المجالات. وكان المرحوم معروفا بالمزاح، إذ يحكى أنه ذات مرة توقف أمام سيارة صديقه سالف الذكر، فبدأ يسجل أرقام لوحتها في ورقة، وحين أتاه الصديق لاستفساره عن ذلك، أجابه بأن السيارة مسروقة.
جمال الفكيكي