*خالد البوهالي
صوت الكونغرس الأمريكي بأغلبية 311 صوتاً مقابل 112 صوتاً. على تقديم حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا قدرت بحوالي 61 مليار دولار، بعد اتفاق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وصف “بالهش” وسط تساؤلات حول جدوى هذه المساعدات في الوقت الذي تحرز فيه روسيا تقدما على جميع القطعات العسكرية.
في إدارة الصراعات الدولية عندما تفشل دولة ما في إخضاع العدو، فذلك يعني أن الاستراتيجيات التي اتبعتها في تدبير الصراع شابها خللٌ أو بُنِيَتْ على تقديراتٍ خاطئةٍ من لدن أصحاب القرار السياسي والعسكري، أو أن الخصم من القوة ما يجعله يحبطها كلها، من خلال قراءته الجيدة للبيئة الصراعية، وهنا تكون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما إعادة النظر في النهج الذي سارت عليه في البداية إما بتعديله أو تغييره كُلِّيًةً، ما يعني أخذ الصّراع إلى جولة ثانية، عساها تستدرك ما خسرته في الأولى، أو التسليم بحقيقة استحالة إخضاع العدو، وبالتالي لا مفر من الدخول في مفاوضات معه، سعيا وراء حل سلمي يحفظ لها ماء وجهه.
لكن الإبقاء على نفس النهج رغم فشله في إدارة الصراع كما تفعل أمريكا حاليا في مواجهة موسكو تضعها أمام احتمالين إما أنها مكابرة وعدم الاعتراف بالخسارة، أو جمود في الفكر الاستراتيجي الأمريكي في طريقة التعاطي مع الصراعات الدولية، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن السبب في ذلك.
عندما تهيمن دولة ما على العالم لمدة طويلة تتولد لها قناعات أنها المركز النهائي للقوة في العالم ولا يمكن لأحد أن يزحزحها، لذلك تنظر للآخرين باستعلاء وفوقية، وتثق في استراتيجياتها بصرف النظر عن مدى نجاعتها أم لا تجاه الخصم أيا كنت طبيعته، لأنها تَعَوَّدَت أن تكون دائما الطرف المهيمن، بِفَرْضِ شروطها على الدول الاخرى كما تشاء بما يتناسب ومصالحها، ولا تهتم لمصالح الآخرين.
لهذا السبب لا يتقبل الأمريكيون الهزيمة وهم الذين اعتادوا أن تكون لهم اليد الطولى في أي شيء، لذلك يخشون أن يظهروا أمام دول العالم بمظهر الخاسر، وأنهم لم يعودوا قادرين على التأثير في المشهد السياسي الدولي كما كان من قبل، حتى لا تتأثر سمعتهم الدولية، لذلك يَعُون جيدا أنهم بمجرد الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع موسكو يعني إقرارا صريحا بالهزيمة أمامها، وليس عندهم ما يساومونها به، حينها لن يجدوا من بُدٍّ سوى الاستجابة لكل مطالبها التي وضعتها كشرط أساسي للمفاوضات، وبالتالي سَيُمَهِّدُ الطريق لروسيا أن تصبح قوة عظمى من جديد، ما سَيُنْهِي عملياً نظام الأحادية القطبية السائد حاليا. وهو الأمر الذي لا يرغب فيه الأمريكيون.
وتبعا لذلك، اندفعت أمريكا محمومة لتقديم حزمة جديدة من المساعدات العسكرية لكييف بغرض قلب الموازين العسكرية ميدانيا ما يطرح السؤال عن فاعلية هذا الدعم في الوقت الذي تحقق فيه القوات المسلحة الروسية تقدما في جميع القطعات العسكرية.
ما ينبغي معرفته، أن غالبية الخبراء العسكريين الغربيين يكادون يُجْمِعُونَ على أن الدعم الأمريكي المقدم لكييف لن يكون ذا تأثير كبير في ميادين القتال، إذ فقط سيبطئ تقدم القوات الروسية لأشهر فقط، و لن يسعفها في استرجاع الأراضي التي ضمتها روسيا اليها، لكن المعضلة الكبرى التي تواجه أوكرانيا تتمثل في عجزها لحد الآن عن تعبئة 500000 الف جندي بعد فقدانها لحوالي نصف مليون عسكري اوكراني، منذ اندلاع العملية العسكرية الروسية، سيما و أن قانون التعبئة الجديد الذي صوت عليه النواب الأوكرانيون بأغلبية 283 نائبا، أثار جدلا واسعا لأنه يخلو من ذكر أية فترة لتسريح العسكريين، و هو ما أثار غضب العديد من عائلات العسكريين، خصوصا أولئك الذين يقاتلون منذ سنتين بلا توقف أمام القوات الروسية، ما قد يحدث شرخا داخل المؤسسة العسكرية الأوكرانية، وبالتالي يخلق نوعا من التمرد في صفوف الجنود الأوكرانيين بعدم تنفيذ الأوامر العسكرية، ما سيؤثر على الأداء العسكري الأوكراني، كما أن العديد من الشباب الأوكرانيين يتهربون من أداء الخدمة العسكرية بالهروب إلى الخارج، والدليل على ذلك القرار الذي أصدره وزير الخارجية الأوكراني ديميتري كوليبا، بتجميد الخدمات القنصلية للمواطنين الأوكرانيين لمن هم في سن التعبئة العسكرية المقيمين بالخارج.
أما في الداخل الأوكراني، فإن آخر استطلاعات الرأي التي أجرتها المؤسسة الأوكرانية للبحوث الاجتماعية ” أنفو سابينز ” تشير إلى أن حوالي 48 في المائة من الرجال غير مستعدين للقتال مقابل 34 في المائة من الجاهزين للحرب، وحتى على فرض الحصول على العدد المطلوب للتعبئة، فسيلزمهم أشهرا من التدريب العسكري والنفسي قبل الزج بهم في ساحة المعركة، ما قد يتيح الفرصة للجيش الروسي مواصلة نجاحاته العسكرية بضم أكبر عدد ممكن من البلدات وتعزيز دفاعاته، وإفشال كل الهجمات الأوكرانية المعاكسة.
كما أن الأسلوب الذي تنتهجه القوات المسلحة الروسية القائم على استنزاف الجيش الأوكراني عُدَّةً وعددا، بضرب مخازن الأسلحة وخطوط الإمدادات والبنى التحتية الأوكرانية، يجعل من الصعب إحداث تغيير في ساحة المعركة، برغم الدعم الجديد المقدم لها، لكن السؤال الأهم متى سيقتنع بايدن أن حربه على روسيا الاتحادية عبثية؟
*كاتب وباحث مغربي في الشؤون الروسية