يقع مسجد أذوز بقرية أذوز المتواجدة بجماعة الرواضي إقليم الحسيمة، وتبعد القرية عن مركز الجماعة بحوالي 18 كلم باتباع الطريق التي تمر على دوار مايا، ويعيش في القرية حوالي 650 فردا موزعين على أزيد من 120 أسرة.
أذوز مصطلح جغرافي يعني المكان المرتفع، وهي قرية فريدة وعجيبة من نوعها في الريف، فالمنازل متجاورة ومتلاصقة وبنيت بطريقة رائعة، وقبور الموتى من ساكنة الدوار تتميز ب “ثابذرين” التي تحددها، والتي تفصل بين قبر وأخر، وهي من الأحجار المسطحة المنتقاة بعناية، وكذلك ب “ثمنزا” التي توضع وراء رأس الميت وأمام رجليه، والتي صنعت من الحجر بدل الخشب كما هو معروف لدى العديد من القبائل بالريف.
من المرجح أن يكون مسجد أذوز قد بني خلال العقد الرابع من القرن الرابع عشر الميلادي، وعمره قد يكون تقريبا 680 سنة، إذ بني خلال فترة حكم السلطان أبي الحسن المريني المعروف بالسلطان لكحل، الذي حكم المغرب من 1331 إلى 1348. وعرف عن أبي الحسن أنه بنى العديد من القصبات والقلع على المرتفعات المطلة على البحر الأبيض المتوسط، لردع أي محاولة إنزال عسكري يمكن أن يقوم بها الإيبريون وغيرهم، وما زالت آثار القصبات بادية للعيان إلى يومنا هذا، كالقصبة المتواجدة على المرتفع المطل على مسجد مسطاسة، والقصبة المتواجدة بالمحمية الإيكولوجية الدبوز قرب موقع بادس الأثري.
وخلال نفس الفترة التي بني فيها مسجد أذوز، تم بناء مسجدين آخرين بنفس المواصفات ونفس التصميم الهندسي، وهما مسجد مسطاسة الذي ما زال قائما بجماعة بني اكميل مسطاسة، ومسجد بويعقوب بتمسامان الذي دمره الإسبان في عشرينيات القرن المنصرم، إثر المواجهات التي كانت بينهم وبين المقاومة الريفية بقيادة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي.
وتم بناء هاته المساجد الثلاث من الطوب والحجارة وخشب العرعار، وتمت زخرفة جدرانها وأسقفها بأشكال هندسية وزخارف رائعة وتزيين بعض من جدرانها من زليج متميز، والملاحظ أن مسجد أذوز كما هو الحال بالنسبة لمسجد مسطاسة، كان يتوفر على محرابين، وذلك بعد التصحيح الذي شمل العديد من المساجد القديمة والتي كانت موجهة بشكل خاطئ.
لعب مسجد أذوز أدوارا طلائعية في نشر الدين الإسلامي وتعليم الناس أصول الفقه ومرتكزات الشريعة وفرائض الإرث واللغة العربية، كما كانت له وظائف اجتماعية، فكان قبلة لطلبة العلم وحفظة القرآن، الذي يقصدونه من مختلف مناطق الريف وبلاد غمارة. كما لعب دورا لحث الناس على مقاومة الغزاة الطامعين في الاستيلاء على آراضي الريف، وما زال المسجد يلعب دوره الديني والتعليمي حتى يومنا هذا.
ارتبط مسجد أذوز بشخصية الفقيه الحاج علي حسون، رغم أن المسجد بني بعد وفاته، فالمعروف عن الشيخ حسون أنه سكن منطقة أذوز أواخر القرن 12 الميلادي إبان حكم الموحدين، وتتلمذ على يد والده الحاج عبد الحليم الأذوزي، الذي تتلمذ بدوره على يد الشيخ أبي داوود مؤسس الرابطة الدينية في قبيلة تمسامان بالمكان القريب من سبعة ن ثاريوين، وقد أسس الشيخ علي حسون رابطة بأذوز ما زالت تحمل اسمه إلى اليوم.
المسجد كان حتى شهر أبريل من سنة 2024، يحتفظ بجل مقوماته وإن كان دوره في الوقت الراهن يقتصر على أداء الصلاة وتعليم القرآن للراغبين من أبناء الدوار وغيرهم.
وخلال شهر ماي 2024، قامت إحدى المقاولات بتقشير أسواره وإزالة أبوابه ونوافذه وكذلك اقتلاع الزليج الذي كان يؤثث بعضا من جدرانه، في إطار مشروع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، يهدف إلى ترميم المسجد ومرافقه قصد المحافظة عليه وضمان استمراره، وخصصت لذلك ميزانية قدرها 355 مليون سنتيم.
الملاحظ أن الأشغال التي بوشرت لم تحترم الإجراءات المتعارف عليها في ترميم المباني التاريخية، ودون متابعة من قبل المتخصصين في الآثار، فلا توجد بالموقع أية لافتة تحدد طبيعة الأشغال ولا الجهة المكلفة بالترميم، والجواب الذي يتلقاه كل من استفسر هو أن وزارة الأوقاف هي صاحبة المشروع وأن المقاولة المباشرة للأشغال تتوفر على التصاميم الضرورية لعملية الترميم (التي تمكننا من الاطلاع على جانب منها) وكذلك على دفتر تحملات (الذي لم نتمكن من الاطلاع عليه حتى اللحظة)، وانطلقت الأشغال بشكل متسرع وربما دون اتخاذ بعض التدابير الإدارية الضرورية، كما أنها تتم بطريقة مرتجلة قد تأتي على جدران المسجد، وخاصة على صومعته التي لم تسند على دعامات أثناء عملية التقشير، فبعد التقشير بدت الصومعة في حالة جد متردية قد يجعلها أمام خطر حقيقي، وتكون الجهة المعنية بالترميم عوض الحفاظ على البناية، قد ساهمت في تدميرها. كما أن اقتلاع الزليج الذي كان يزين بعضا من الجدران الداخلية سيفقد هاته المعلمة جماليتها.
ومن خلال تتبعنا لما قيل عن الأشغال الجارية على مواقع التواصل، وقفنا على ملاحظات قيمة أدلى بها متخصصين في علوم الآثار، حيث تمت الإشارة إلى أن جل المساجد التي تدخلت فيها مصالح وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية خضعت لعمليات التجديد أكثر مما خضعت لعمليات الترميم والمحافظة حسب ما تقتضيه المواثيق الدولية وتقاليد البناء المحلية، حيث يتوجب الحفاظ على عنصر الأصالة في المبنى، كما أن الأشغال يجب أن تستند على دفتر تحملات واضح يلزم صاحب الورش على احترام المعايير والتقنيات المتعارف عليها دوليا بخصوص الترميم.
كنا دوما في جمعية ذاكرة الريف، نطالب ونناشد المسؤولين في مختلف الإدارات والقطاعات المعنية بالذاكرة الجماعية والتراث الأثري، بالعمل على إنقاذ الكثير من البنايات والمواقع الأثرية من الضياع، عبر ترميمها والتعريف بها، لكننا لا نفهم إصرارهم على ترميم البعض من البنايات والمواقع دون الاستماع إلى الهيئات المهتمة بهذه المجالات.
جمعية ذاكرة الريف