لم تعد للمرافعة الشفاهية، خاصة في القضايا الزجرية، القيمة ذاتها، بعدما أضحى قضاة يفضلون الحصول عليها كتابة في إطار ترشيد الوقت، بالنظر إلى كثرة الملفات التي ينظرون فيها والتي قد تقارب في الجلسة نفسها 100 ملف أو ما يزيد عن ذلك، وفي حالات أخرى يلتمسون من المحامين عدم الإطالة والاختصار، بسبب العدد الهائل من الملفات التي يتوجب عليهم النظر فيها، وضرورة احترامهم للآجال الاسترشادية في شأن البت فيها.
واقعة الرفض “المبطن” لبعض القضاة لتلك المرافعات الشفاهية، وقف عليها المصطفى جلال محام من هيأة البيضاء، إذ أفاد أنه خلال حضوره لإحدى جلسات الجنحي الاستئنافي باستئنافية البيضاء، التي كانت تعج بالمتقاضين، صعب عليه الوصول إلى منصة الدفاع، التي كانت هي الأخرى غاصة بزملائه المحامين، وفي غمرة ذلك الوضع أثارت انتباهه استمالة المحكمة للدفاع (المحامين) في اختصار المرافعة أو الاقتصار على مذكرة كتابية وإلحاح المحامي على منحه الوقت الكافي للدفاع عن موكله، غير أنه لما انتبه إلى الكم الهائل من الملفات المرصوصة على منصة الهيأة هاله أمرها وهي تكاد تخفي الهيأة عن ناظريها، ليدرك آنذاك عذر الهيأة في امتعاضها من الإسهاب في المرافعة.
الأحداث التي لامسها المحامي في تلك الجلسة، تسلل معها إلى داخله هاجس العدول عن المرافعة، رغم الشغف الكبير الذي كان يتسلح به خلال ولوج القاعة، ورد ذلك إلى أنه من المسلم به أن إصرار المحامي على المرافعة مرده إلى ثقل الملف وحيثيات الحكم المطعون فيه التي قد لا تستقيم، لا مع الوقائع ولا مع مقتضيات القانون، في حين أن استثقال هيأة المحكمة للمرافعة، كرها لا اختيارا، راجع إلى مكابدة ومعاناة في تصريف الملفات جلسة تلو الأخرى، والذي من شأنه أن يفت طاقتها في التركيز والإنصات للمرافعة، بغية التكامل بين القضاء والدفاع أملا في الكشف عن الحقيقة ضالتهما المنشودة، الذي أصبحت تراود بعض أفراده، وعلى مضض، فكرة العدول عنم المرافعة والاكتفاء بالمذكرات الكتابية تلافيا للمجادلة في الجلسات.
واعتبر المحامي جلال أن فكرة العدول عن المرافعة والاكتفاء بالمذكرات الكتابية من شأنها أن تفقد الجلسات رونقها وطابعا المميز بين الجنائي والمدني، فضلا عن طابعها الثقافي بالنسبة إلى المحامين الشباب، كما أنها ستفقد الغاية من العلنية في الجلسات الجنائية، وستضرب المحاكمة العادلة التي يبقى حق الدفاع من أهم شروطها.
كريمة مصلي