الغبزوري السكناوي
لا حديث في الشارع الحسيمي إلا عن المقاومة التي أبداها المحتلون للملك العمومي لقرارات السلطة، فرغم الحملات المكثفة على هؤلاء فإن العشوائية ومظاهر الإحتلال تظل هي سيدة الميدان سواء في المدينة أو ىباقي المراكز الحضرية بالإقليم.
العشوائية تتربع على عرش كل المظاهر بهذه المنطقة، في البحر والبر، في المدينة والبادية، من مواقف السيارات إلى محطات النقل والميناء، من الشوارع إلى الطرقات الكبرى، من وسط المدينة إلى الأحياء النائية، الكل في “الذي هو بالمجان” راغب، من صاحب عربة مجرورة وبائع جائل إلى مالك للعقارات و”اليخوت”.
واقع أصبح معه الرأي العام والمهتمون يطرحون أكثر من استفهام حول من يكون هؤلاء “المحتلون” حتى يتمتعوا بهذا المستوى من التجاسر على مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها السلطة التي تعني ما تعنيه من قوة واكراه …
صورة حملات تحرير الملك العمومي من طرف السلطات بالحسسمة في علاقتها بهؤلاء “المحتلين” أشبه ما تكون بطرفي نقيض يمسكان بسجاد، الأول يقوم ببسطه والثاني بالطي واللف، في دوامة لا تنتهي، ما أن يدير رجال السلطة ظهرهم حتى يعود الجميع إلى سابق عهده.
يبدو أن السلطة لم تستطع الدفاع عن القرارات التنظيمية التي تصدرها في هذا السياق، موقف يوحي، لدى المتتبع، بأن ثمة أمور غير طبيعية تبعث عن القلق، وأن هذا الوضع قد تكون وراءه أطراف “أكثر قوة” من السلطة.
فلا يعقل أن يمتلك هؤلاء “الخارجين عن القانون” هذه القوة من تلقاء ذاتهم، ولا يمكن أن يقدموا على هذا التحدي والإصرار في مواجهة قرارات السلطة، بل ومحاولة إعلان “العصيان” في وجه كل من رفع شعار تحرير الملك العمومي.
واقع يستشعر معه الكثير أن هؤلاء “الخارجين عن القانون” هم بنية تمتلك من القدرات التنظيمية والسرعة في التكييف ما لا تمتلكه بعض مؤسسات الدولة والمجالس المنتخبة، هؤلاء “المحتلون” لا ينتمون إلى فئة “الإحتلال المعيشي” كما يتصور البعض…
“المحتل” هو شخص أخر غير “الكومبارس” الذي يظهر في الواجهة، ليس هو ذلك الشاب او المراهق الذي يطوف على السيارات في المواقف والساحات، ليس هو ذلك العجوز الذي يجر عربة، وليس هو ذلك الشاب الذي يقصد الفضاءات الحيوية بالمدينة آتيا إليها من البادية والأحياء الشعبية طلبا ل “المعيشة”، وليس هو ذلك الشخص الذي يعرض المظلات الشمسية والكراسي…
“المحتل” هو كائن أخر، ليس من طينة هؤلاء وليس من طبيعتهم ولا من وسطهم…، ورغم ذلك فالمحتل للملك العمومي يجمع كل هؤلاء، هو شخص واحد، فهو نفسه الذي يحتل الشواطئ ويغرق الميناء الترفيهي في الفوضى، هو نفسه الذي يستخلص المقابل عن ركن السيارات في “مواقف بالمجان” هو نفسه الذي يحتل شارع عبد الكريم الخطابي ومحمد الخامس والساحات والحدائق بوسط المدينة ويبسط أطرافه إلى “الكورنيش” هو نفسه الذي يثبت العربات أمام المدارس والإدارات العمومية…
أن يتحول احتلال الملك العمومي إلى حق هو مبعث قلق، ومصدر تخوف لا يمكن أن يستهان بحجمه ولا بأفاقه، إن تنظيمات بعض “الخارجين عن القانون” تمتلك قوة هائلة على التكيف مع قرارات مؤسسات الدولة والمجتمع، كما الإبتزاز، فعند الشدة/ المصلحة لا تردد في نهج “طريق المواجهة” بكل ما أوتيت من قوة حماية لمصالحها…
مصالح ومكاسب هؤلاء “المحتلين” لا يمكن لأحد، اليوم، أن يدعي أنها تحققت في غفلة من الدولة والمجتمع، بل هي نتيجة تراضي أو تواطئ يحدث في سياق معين ولأهداف معينة…
تحرير الملك العام ليس مسألة حملات أو قرار إداري، بل هو ملف سياسي واجتماعي يتطلب مراجعة منظومة أوسع مما نتصوره، لأن هذا الإحتلال يعتبره البعض جزءا من لا ينفصل عن الامتيازات والريع الذي تستفيد منه أطراف سياسية واجتماعية، ولا يعدو أن يكون رشوة “انتخابية وإجتماعية” داخل نسق قانوني واجتماعي وسياسي “يتساوى” فيها الراشي والمرتشي.
حجم احتلال الملك العمومي أصبح حقيقة يساىل هبة الدولة، وهبة الدولة تكمن في توفير سيل العيش الكريم للفئات الهشة وغير القادرة عن الإندماج في “المهيكل والقانوني” وإيجاد حلول بديلة، وتكمن ايضا، أي هذه الهبة” في الضرب بيد من حديد على “صناع الفساد” وكل من سولت له نفسه استغلال الأوضاع الإجتماعية لمراكمة ثروات لا تعد ولا تحصى