جمال الكتابي
حلت قبل يوم أمس الذكرى 103 على مرور معركة أنوال. أنوال أكبر من الذكرى؛ أنوال انتقلت من معركة عسكرية وقعت على هضبة أنوال إلى المعاهد والمدارس العسكرية، وتم تأليف وإصدار بشأنها المئات من الكتب والتقارير والأبحاث. أنوال بقيت محاصرة فقط في موطنها، وهذا دون الحاجة إلى البرهنة على ذلك؛ ففي هذا الصدد أورد الصحفي عبد الحميد جماهيري في عموده قبل ثلاثة أيام بمناسبة ذكرى أنوال، تحت عنوان ؛” أنوال (..) أكبر من الذاكرة:”. وهو يثير في جانب من مقالته محنة صديقنا ‘محمد النضراني’ مع فيلم عبد الكريم الخطابي حول “أنوال” قائلا:” هل يعقل أن يقف فيلم الخطابي والريف عن أنوال في العقبة المالية في زمن نرى انهارا من المال توزع شمالا ويمينا..:”. انتهى الاقتباس. ولا فيلم من إنتاج مغربي إلى اليوم عن أنوال. كم من فيلم تم إنتاجه عن “أنوال الفيتنامية” أو ملحمة “ديان بيان فو:، علما أن هذه الأخيرة هي الابنة الشرعية لأنوال باعتراف قادة ومقاتلي فيتنام أنفسهم مع كثير من التشابه خاصة تكتيك حرب الاغوار، الاختلاف الوحيد هو أن أنوال وقعت مع ساعات الفجر الأولى والأخرى عند الغروب. وهنا تحقق حلم ( أو رؤى) عبد الكريم أن يرى إمبراطورية الشر تدفن عند الغروب بعدما قاتلها هو باكرا قبل الشروق. وعبد الكريم كان ضمن الجهة التي أعلنت ساعة الصفر سنة 1954 ضد إمبراطورية الشر هناك وهنا ( شمال إفريقيا ) قبل بضع سنوات قرأت بحث الماجستير لكولونيل فرنسي في القوات البرية حول إنزال الحسيمة ومعركة أنوال. من بين ما كتبه أنه تفاجئ من حجم الدروس، مع طرحه لسؤال على المدرسة العسكرية الفرنسية مفاده:” لماذا لا يدرس هذا العلم في المدارس العسكرية الفرنسية “. هذا البحث لم يدم طويلا على النيت ليتم سحبه نهائيا. حدث ذلك بدون شك بطلب إسباني. لأن أنوال شكلت عقدة، على طول، للمؤسسة العسكرية الإسبانية وطبقتها السياسية إلى اليوم. ويبدو من خلال التقارير والرسائل الموجودة في الأرشيف الإسباني، أنها أصيبت بالجنون بعد أنوال حيث بدأت تراسل وتهدد كل الدول في المتوسط وأسيا والشرق الأوسط وأوربا من أجل فرض حصار على عبد الكريم حتى لا يصله السلاح والغذاء، راسلت بهذا الصدد كل من: إنجلترا، وفرنسا ومصر وتركيا وجبل طارق وإيرلندا والسويد وألمانيا وإيطاليا. هكذا وضعت دوريات عسكرية بحرية لمراقبة تدفق السلاح من مصر وتركيا مثلا. بل أنها قدمت تهديدات لشخصيات مصرية فلسطينة وتركية اعتبرتها سفراء عبد الكريم مكلفة بجمع الاموال وشراء السلاح، وكذا قدمت تهديدات مبطنة للجرائد المصرية كالاهرام مثلا. بلغ الجنون بإسانيا، وعبد الكريم في منفاه سنة 1928، أن هاجمت الحكومة الألمانية لأن إذاعة ستوتغارد خصصت حصة نقاش يوم 12 يونيو 1928 للكتاب الذي أصدره الصحفي الفرنسي روجير ماتيوس تحت عنوان :” مذكرات عبد الكريم؛” سنة 1927، وخاصة أن الضيوف قالوا:” رغم نفي عبد الكريم لن تسطيع إسبانيا إخضاع الريف أبدا:” هذه الصيغة اعتبرتها الحكومة الإسبانية آنذاك كالرصاصة عندما تخترق الجسد، ويقول كاسترو في مذكراته أن هزيمة إسبانيا في أنوال لم تكن لتقع لولا حرب الاغوار… أنوال أكبر من الذكرى.