الغبزوري السكناوي
شهدت الحسيمة،.في الٱونة الأخيرة، عدد من حالات الانتحار التي وصفت بالمقلقة، فخلال أسبوع واحد استفاقت الساكنة على وقع أربع حالات انتحار ومحاولتين، أرقام وحالات لا تخلو من رسائل حول الزحف الخطير ل”ثقافة الموت” على جهة الشمال التي تسجل بها أعلى نسب الإنتحار، حيث تتحدث لغة الأرقام عن تسجيل الجهة لحوالي 48 % من مجموع حالات الانتحار بالمغرب مقابل نسبة 0.7 % في جهة العيون الساقية الحمراء
اللافت أن الذين أقدموا على هذا الانتحار أو المحاولة ينتمون إلى فئات عمرية مختلفة، شباب وشيوخ بل وحتى الأطفال، هم من الجنسين ولكن ينتمون إلى طبقة اجتماعية واحدة ووسط تعليمي وثقافي واحد، هم من بسطاء هذا الوطن الذين حيل بينهم وبين ما ييشتهون، يقطنون في هامش الهامش من الريف المغربي
المتتبع للأخيار التي تحدثت عن هذه حالات الإنتحار المسجلة بكل من دوار “تلولي” بالجماعة القروية بني جميل، دوار “تبرانت” بجماعة “بني بوشيبت”، تاركيست، سيدرك أن هؤلاء المنتحرون، أو الذين أقدموا على محاولة الإنتحار، هم بالدرجة الأولى ضحايا لعنف مركب أصبح يمارسه المجال الترابي الذي يقعون ضمنه.
هذه الوقائع، التي زحف فيها الإضطراب خلال أسبوع واحد على ارواح ثلاثة أشخاص، فيما إثنين أخرين يرقدان بالمركز االإقليمي الإستشفائي محمد السادس جراء محاولة انتحار، أعادت إلى الأذهان واقع الإحصائيات التي تشير إلى أن حالات الإنتحار بجهة طنجة -نطوان – الحسيمة باتت تعرف أرقاما مرعبة وهي في تزايد دائم
نعم خلال أسبوع واحد استفاق إقليم الحسيمة على حالات مفجعة من الإنتحار، أطفال وأمهات، استحوذ عليهم الإضطراب وأفقدهم حاسة الإدراك، وإذا كان غالب الظن أن هذه الوقائع حدثت في لحظات يأس وانخفاض في قيمة الذات، فإنه من المؤكد أنها تأثرت أيضا بالظروف الاقتصادية والاجتماعية للمحيط الذي ترعرعت فيه وقد تعرض للتهميش عقودا من الزمن.
ولعل الرايط بين هذه الحالات، إلى جانب معاناتها من الإضطراب النفسي، أنها تعيش في فضاءات تجمع كل مظاهر البؤس الإجتماعي ومركبات النقص، مناطق نائية مهمشة، تظل بعيدة عن مغرب القرن 21، مناطق جبلية تعيش على عائدات القنب الهندي بطريقة أو بأخرى، بوادي مترامية الأطراف ظلت ساكنتها رهينة في يد تجار ومافيا المخدرات.
مقابل هذا التهميش الذي تعرفه أغلب هذه المناطق على مستوى البنية التحتية والتجهيزات الأساسية، حيث تفشي نسب مرتفعة من الأمية وغياب المؤسسات الصحية والعلاجات الطبية، نجد أنها تحولت في “غفلة” من الجميع إلى سوق مفتوحة لترويج كل أنواع المخدرات القوية، وإلى ساحة كبرى لإستقبال تيارات الإنحراف في ظل ارتفاع البطالة وتوالي سنوات الجفاف
وإذا كنا لا نعرف الأسباب الحقيقية والدقيقة التي دفعت بهؤلاء إلى الإنتحار، لأنهم رحلوا، كما يفعل الجميع، بلا استئذان وغادرونا بلا رسائل وداع، فثمة معطيات تفيد أن الإضطراب النفسي هو الخيط الرابط بين كل هذه الحالات التي أصبحث تدق ناقوس الخطر، وتدعو إلى تحرك الدولة والمجتمع قبل فوات الٱوان، خاصة وأن الظاهرة بدأت تزحف على
الاطفال والأمهات.
للأسف، ونحم في القرن الواحد والعشرون، لا زال مجال الصحة النفسية والعقلية بالمغرب يطرح أكثر من سؤال، فالمعطيات التي أعلنت عنها وزارة الصحة والرعاية الإجتماعية تفيد أن المسح الوطني للسكان، من سن 15 عاما فما فوق، أظهر أن 48.9 بالمائة من المغاربة يعانون – أو قد سبق لهم أن عانوا- من اضطراب نفسي أو عقلي في فترة معينة من فترات حياتهم
الأرقام التي وفرها المسح الوطني للسكان، واوردها كذلك تقرير المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي تكشف أن المغرب لا يتوفر إلا على 454 طبيبا نفسانيا فقط، و40 أخصائيا في طب الإدمان، وحوالي 124 أخصائيا نفسيا، وما لا يتجاوز 50 أخصائيا في الطب النفسي، هذا، فيما تؤكد نفس الأرقام أن الطاقة السريرية لا تتجاوز 6.43 % مقابل 47.3 % لكل 100 ألف نسمة
لا أعتقد أننا بهذا العرض الصحي الهزيل، وبهذا العدد الضئيل من الموارد البشرية في القطاع سوف نضمن للمغاربة في الحواضر والمراكز ولوجا عادلا إلى الرعاية الصحية النفسية والعقلية، وبالأحرى نضمنها للذين يعيشون في هامش الهامش من الجبال والقرى، والأرقام تشير إلى كون نصف عدد المغاربة يعاني من اضطرابات نفسية.
هذا الواقع يدفع بالمرضى وأسرهم لأن يقعوا فريسة للمشعوذين، والنتيجة اشتداد المرض والإقدام على الإنتحار الذي سيظل يتزايد حتى وإن توفرت الرعاية، لأن الأصل في الإنتحار هو اختلال تلك العلاقة القائمة بين الفرد والمجتمع، وربما عدد الحالات سزداد ما دام سوء الوضع الإجتماعي يتضاعف تدريجيا والناس تزداد فقرا ويأسا وإحياطا، كما أن.الإنتحار لن يتوقف ومدارسنا تفتقد إلى الدعم النفسي والإنصات والوساطة