بقلم عبد الهادي بريويك
ذلك هو الجو الذي يستقبل فيه الآباء والأمهات في شهر الدخول المدرسي ، في بلادنا، وبالنسبة للعامة مثلنا، على الأخص، فشهر شتنبر هو الشهر الذي تتجلى فيه محنة التثقيف في أبشع مظاهرها، وهو الشهر الذي يحس فيه الآباء والأمهات بالمحنة التي يعيشون فيها وبالمستقبل المظلم الذي ينتظر أبناءهم وبناتهم، إنه شهر” الغفران “، يمر بأطفالهم كجميع شهور السنة، لا يفتح فيه عالم جديد، أمام الجيل الجديد الصاعد، من الأطفال الذين يبلغون سن التمدرس، ولا ترجع فيه أجيال اليفعة واليافعات من مغاني اللهو، والانطلاق إلى عالم الثقافة والدراسة والجد.
ولا يجد الاطمئنان والسكينة والفرحة سبلا إلى قلوب الآباء والأمهات، ولا يتحقق حلم من الأحلام التي تعيش في صدورهم ردحا من الزمن قبل أن ينقشع الضباب وينكشف الواقع عن المأساة التي تنتظر الأجيال المتعاقبة.
وليس يحس بهذه المأساة إلا الأب أو الأم اللذان لا يجدان المدرسة في تجمعهم السكني حضريا أو قرويا، أو تثقل كاهلهم حجم وتكاليف المقررات الدراسية الأساسية، أو تنحني كرامتهم طوعا أمام جمعية أو تصدق ومساهمة في تغطية جزء من المصاريف المكتبية من قبل بعض المحسنات والمحسنين بالبلاد.
كما أن هناك فئة أخرى من غير الآباء والأمهات تحس بهذه المحنة وتقدر أثرها في مستقبل المغرب الثقافي، هذه الفئة المهتمة بشؤون الثقافة والتعليم وآفاق الوعي الثقافي الوطني، مادامت الثقافة عليها أن تسير في مصلحة الوطن ومستقبل البلاد.
المكتبة، التي تحتوي؛ علما وكتبا ومؤلفات لا يزورها غالبية المغاربة إلا في الدخول المدرسي، بما تسجله الأرقام والإحصائيات وتراجع مستوى القراءة بالمغرب، مما يسبر غور جرح آفاق روح الفكر الوطني التثقيف الغائب ، ويعمق من مستوى الوعي والإلمام بمجالات العلم والمعرفة.
المغرب الثقافي ..حب واحتراق
في الروح التي تسود نفوس كل المغاربة، من حيث محتوى المقررات المدرسية في إطار صناعة الثقافة التي تعاكس، وتعكس مستوى التعليم ” الهابط” ودون مجاملة أو مزايدة، مادام المغرب يحتل المرتبة ما قبل الأخيرة، حول تقييم مستوى معرفة القراءة والكتابة لدى التلاميذ، مما يضاعف المآسي لدى الآباء والأمهات، ويعمق جذور الجهل والأمية وانعدام مرافق التعلم “مدى الحياة “، ويساهم في تكوين أجيال جامدة..
مما يغذي فكرة الهروب، إلى لقمة العيش اليومي وتحويل مجموعة من “المكتبات”؛ إلى مطاعم مخصصة للوجبات السريعة … وتغيير ” رخصة تغذية الفكر، إلى رخصة بطن”، من أجل الحق في العيش ومسايرة التطور والأزمات. والحق في الاستفادة في تطور الحياة..
إنها محنة عامة تتناول أساليب التثقيف التربوي، وطرقه، والروح المسيطرة عليه، وتتعدى ذلك؛ إلى المدرسة والمدير(ة)، والمدرس (ة) والتلميذ. والشارع، والمجتمع..
لذلك علينا أن نقف للمكتبة، ولكل المكتبيات والمكتبيين، وقف إجلال واحترام على زيارتنا لهم في كل سنة مرة، ونصطف أمامها، بوجوه عابسة/ مبتسمة، لا عنوان ولا كلمة لوصفها، من أجل تثقيف أجيال المغرب الصاعدة، نرفع عن جباههم وصمات الجهل والأمية، نساهم في تكوين جيل المغرب الحديث، الصامد، مغرب الاستقرار والأمن، والمستقبل القادر على الدفاع عن وحدة ترابه، أمنه واستقراره، كما تربينا، عبر امتداد من الزمن لعمق وأصالة المغرب، مغرب السلام ونبض قلوب كل الحضارات.. مغرب التحديات، مغرب الفكر والعلم والمعرفة.
أمام محنة صراع اليوم بين المحلبة والمكتبة.
ومع ذلك نشكر الله على ما أصاب أبناءنا وبناتنا من خير التعليم وفضل المعرفة، ومن خلال الشكر نرى المحنة، ونرجو الله أن يكشف عن الأجيال القادمة ما ابتليت به الأجيال السابقة من محن كانت على رأسها محنة الثقافة.