عبد اللطيف مجدوب
جاء في تصريح للسيد أحمد الحليمي العلمي ؛ المندوب السامي للتخطيط ، وكاستقراء له من مخرجات عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى الأخيرة 2024 ؛ أن اللغة العربية والأمازيغيية في طريق الانقراض ، لهيمنة العربية الدارجة على لسان التواصل بين شرائح عريضة من المجتمع المغربي ، فكيف حصل هذا التردي ؟!
يبدو أن مقاربة هذه الإشكالية لقمين بنا استحضار جملة من المؤشرات الفاعلة داخل المجتمع ؛ يمكن التنصيص عليها فيما يلي:
- التعليم وتوالي أزماته ؛
- تهميش المؤهلات “العربية” ، أو بالأحرى تشييء “الدبلوم المعرب” ؛
- هيمنة الفرنكوفونية في إسناد المناصب ؛
- العمل المحموم لدعاة “الدارجة في التعليم” ؛
- تبادل التنازع الثقافي بين العربية والأمازيغيية.
فحري بالقول أن التعليم ؛ في المغرب ؛ عرف سلسلة إصلاحات ، منذ الثمانينات من القرن الماضي ، وحتى العشرية الأولى من الألفية الثالثة ، اصطدمت بمعيقات بنيوية وحكاماتية ، فضلاً عن وجود ضبابية لدى الإرادة السياسية الحقيقية ، نجم عنها غياب تام لإجراء تقييم موضوعاتي وميداني لكل “مشروع إصلاح” ، علما أن كل مشروع كانت تتنازعه اختصاصات عدة أطراف ، كالمجلس الأعلى للتربية والتعليم والوزارة الوصية ، ثم الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
وغني عن البيان أن ضحالة مستوى التعليم وديداكتيك اللغة ، بشكل خاص ، أفضى إلى هزالة مستوى الدبلوم المغربي ، وتراجع أهميته في سوق الشغل ، ما أفقد شريحة كبيرة من الأسر المغربية الثقة في التعليم العمومي ، ومن ثم النزوح إلى نظيره الخصوصي ، بالرغم من الانتقادات الحادة التي وجهت له ؛ وما زالت ؛ في ضوء رفع رسومه واعتماده المقاربة الشكلية ، من حيث الالتزام بجداول الحصص والمواد التعليمية ، مع وجود ضعف عام ملحوظ في تعلمات ومهارات المتعلمين ، وهي المعضلة التي تعاني منها حتى بعض المؤسسات الجامعية الخصوصية ، وهو ما استغلته بعض البعثات الثقافية الأجنبية لاستقطاب أبناء الأسر المحظوظة في الانخراط في التعليم الفرنسي أو الأنجليزي.
أما ؛ على الصعيد الفرنكوفوني ؛ فما زالت هذه الأخيرة مترسخة في دواليب الدولة ، ولها حماتها في الظل والخفاء ؛ يحرصون على إيلائها الأولوية في المجالات الديبلوماسية والسياحية ، فضلاً عن تبنيها كأداة للتواصل في القطاعات البنكية والتجارية ، وحتى إلى حين ، كانت تعتبر البريستيج والشارة اللازمة لتقلد أي منصب حكومي وسياسي ، علاوة على أنها ما زالت تحظى بالأولوية لدى العديد من شرائح الأسر المغربية ، في توجيه تعليم أبنائهم ، إلى درجة أن معظمهم لا يتواصل إلا بلغة موليير ، ويستنكف عن التواصل بالعربية ، حتى ولو كان يجيد مقاطع منها.
ولعل من آفات اللغة العربية ، وذهابها إلى “الانقراض” اصطدامها بالتيار الأمازيغي الذي ما زال “يكافح” من أجل تبوء الأمازيغية المكانة اللائقة ، ويسكنه هاجس أن يفتح أعينه يوماً ، ويرى العالم ؛ من حوله ؛ قد تحول بالمطلق إلى اللغة الأمازيغية ، كلسان مهيمن على مجالات حيوية ، كالتكنولوجيا والصناعات الثقيلة و الطيران ، والبحث العلمي.. ويلاحظ ؛ في هذا السياق ؛ أن هذا التيار تدفع ببعض عناصره ورواده نوايا ، هي أقرب إلى الانفصالية والعرقية منها إلى الوحدة والوطنية ، وهم في ذات الوقت ، يكيدون للعربية ، ويزعمون ؛ في أدبياتهم ومداخلاتهم ؛ أنها كانت العائق “التاريخي” في وجه نموها وانتشارها وتبنيها ، والمفارقة الغريبة أن استعمالها بالكاد محدود ، ويستعيض عنها رواد التواصل الاجتماعي ؛ في تواصلهم برسائل قصيرة SMS مكتوبة “بالعرنسية” ، كأن يكتب أحدهم (ba3t wa12d laktab) وهو يقصد بالعامية”بعت كتابا” ، وهذه آفة تفتك باللغتين معا ؛ العربية الفصحى والأمازيغية ، كما أن معظم المنادين بإلائها الصدارة ؛ في التعليم والإدارة..؛ يواجهون صعوبة كبيرة في فك رموز نصوصها ، فأحرى قراءتها واستيعابها.
هناك أيضا ؛ وضمن المؤشرات المشار إليها ؛ التيار المنادي بالعامية لغة التعليم ، كان قد ذهب بعيدا في هذا الاتجاه ، وأسس ؛ لهذا الغرض ؛ مدرسة كتجريب أولي “لفكرة العامية” ، إلا أنها توارت وانقطع الحديث عنها ، لكنها ما زالت بارزة وبشكل ملحوظ في المجال الإشهاري واللوحات واللافتات ، وأحيانا علامات التشوير، وبمعنى آخر ، العمل على ترسيخ اللسان العامي ؛ في الحياة اليومية ؛ بل وحتى داخل الأندية والمرافق الإدارية والمالية ، ما أثّر على الفصحى/عربية أو أمازيغية ، وقطع حبال التواصل بها ، فأضحت ؛ في معظم الحالات ركيكة ومتنافية مع قواعدها ، هذه الظاهرة ملحوظة ؛ وبشكل خاص ؛ في الأعمال الإنشائية والأدبية ، والصحافية منها خاصة ، لدرجة أن الطالب ومعه “الأستاذوالأستاذ الجامعي” يرتكبون ؛ في كتاباتهم أخطاء بنيوية فاحشة.
بيئة اللغة المغربية
يلاحظ ؛ من خلال اللغات واللهجات المتداولة داخل المجتمع المغربي ؛ وجود أخلاط لغوية ولهجاتية ؛ تنهل من العامية حينا ، ومن الأمازيغية حينا آخر ، كلغة الأسرة ، ولغة الإعلام المنبثة بين الفرنسية والعربية والإسبانية ، ثم لغة الشارع ، والتي تختلف من منطقة جغرافية إلى أخرى ، علاوة على لغة التواصل الاجتماعي ، أو بالأحرى لغة الرسائل الإلكترونية القصيرة ، ومن هذا المنظور الميداني ، يتبين أن المجتمع المغربي مجتمع ديݣلوسي Digloss بحكم تعايش عدة لغات ولهجات داخله ، فالتلميذ المغربي تلميذ أيضاً ديݣلوسي Diglossia تتجاذبه عدة لغات و لهجات ، وربما هي أبرز الأسباب وراء التعثر اللغوي لدى التلميذ المغربي ، فهو غير قادر على تمثل الأنساق اللغوية بسهولة ، لوجود تنافر واضح داخل نحوها وتراكيبها واشتقاقاتها ، بخلاف التلميذ الفرنسي أو البريطاني – مثلا – اللذين ينهلان من نفس لغة الأم ؛ فرنسية أو أنجليزية ، ولا يوجد اختلاف بينها وبين اللغة المتعلمة ، أو لغة المجتمع ومرافقه.