الغبزوري السكناوي
ييدو أن أغلب النخب و”القيادات” الحزبية المنحدرة من الريف لم تخرج بعد من دوار الصدمة، ولم تستطيع الدخول في مرحلة التعافي بعدما أوقعتها “الزلاقة” أرضا، ووجدت نفسها في عطل سياسي لم تكن تتوقعه، ففي لحظة مفاجئة وفي سياقات معينة، وجدت “القيادات الريفية” نفسها غائبة عن مشهد الأحداث الوطنية والمحلية، وأدركت أن موقعها الفعلي، مهما عَلا، فهو يوجد خارج ما يعرف ب “مراكز الثبات”، واقتنعت أنها مجرد “زوائد حزبية” يسهل استئصالها إذ ما ابتعدت عن نافرتها.
ومن هول الصدمة أصبح بين هؤلاء القادة، وأغلبهم منتخبون، من يتعامل مع الريف والدولة بمنطق La quarta mafia، فيما البعض الأخر اختار استدرار العطف واستعمال “حجة غاليليو” كمغالطة منطقية يريدون من خلالها أن تحظى فكرتهم بدعم الجماهير الشعبية، فبعدما شعروا بأن المقاعد الحزبية التي احتضنت أجسامهم لسنوات هي أشبه ما تكون بلعبة “الزَّلاَّقَةُ”، وأدركوا أنهم في موضع لا تثبت عليه قدم، ومن فرط جهلهم بتاريخ الأحزاب التي ينتمون إليها والتاريخ السياسي للمغرب، سارعوا إلى تشكيل كتيبة من “أجناد الحلقة”.
فلا أدري أي معنى سيفهم، مثلا، من كلام بعض “الأجناد” حين يكتبون أن “التخلي عن شخص برلماني وعدم إدراج اسمه ضمن لائحة أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب الذي ينتمي إليه سيعيد الريف إلى سنوات 58/59″، هكذا كتبوا وقالوا، طبعا دون أن يفصحوا عمن يكون الْمُخَاطَبِ في هذا الكلام، هل كانوا يتحدثون عن الحزب الذي رفض أن يلحق هذا الريفي بلجنته التنفيذية أم كانوا يقصدون الدولة!؟ بل هناك من أضاف وقال أنه كان يتوقع أن “تلفق لهذا الريفي أية تهمة من التهم لإسقاطه لأنه آخر هرم تبقى من الحزب وتاريخه”!
هكذا يحاول البعض من هؤلاء الأجناد أن يقنعنا أن الضربات التي تلقاها، أخيرا، هذا الشخص في “المناطق غير المكشوفة والمحظورة” لم تكن، فقط، بهدف إسقاط “الهرم”، بل هي “عملية نخر داخلي يتعرض لها مناضلون ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الدفاع عن الوطن” أما البعض الأخر فقد اعتبره “الوحيد الذي يمثل الشرعية التنظيمية للحزب في إقليم الحسيمىة”، نعم، فكلما وقع أحدهم في وحل تصرفاته استل سيف الوطنية من غمده الصدئ، وقدم نفسه كممثل وحيد وشرعي للريف، وبدونه ستفتح أبواب جهنم على الجميع.
ومما قرأته أيضا في هذا السياق، كلاما يفيد أن شخصا يدعى نبيل اليزيدي من حزب الحركة الشعبية كان “يهدف إلى تحقيق مصالحة تاريخية بين الحزب وسكان الريف، مُظهِرًا التزامه بالمصالح العامة للمنطقة ولكن تدخلاً من الأمين العام محمد أوزين، وفي اللحظات الأخيرة، غيّر مسار القرار” وأن هذا الشخص “دافع بقوة عن حقوق المنطقة وعن حقها في التمثيل السياسي العادل، ولم يتردد في مواجهة تدخلات أوزين، حيث أصر على أن اختيار ممثل للحزب في مكتب مجلس المستشارين من أبناء الريف هو الخطوة الضرورية لإعادة بناء الثقة مع الريف”
ما فهمته أن بناء جسور الثقة مع الريف لن يتم – حسب هؤلاء- إلا عبر ترشيح هذا الشخص لتمثيل الحزب في مكتب مجلس المستشارين، وهي الخطوة الوحيدة التي ستضمن ذلك!! طبعا لا بد من الإقرار أنني لا أعرف إن كانت هذه الواقعة، التي ذكرتها بعض مواقع التواصل الإجتماعي، قد حدثت فعلا، وهل هذا الشخص هو المستشار البرلماني الأستاذ نبيل اليزيدي أو هو شخص أخر لا يعدو أن يكون “نبيل المواقع”، خاصة وأن هذه التدوينات لم تعزز مضمونها، إقرارا أو نفيا، بتصريح رسمي ل “نبيل الواقع” ولا ببلاغ أو توضيح منه، وهو نفس الشيء الذي حذاه حزب السنبلة.
نعم، لا أحد من هؤلاء تحدث بشكل رسمي عما حدث، ولا أحد أفاد الرأي العام حول طبيعة المصالحة التي يريد أن يجريها، هذا النبيل، بين حزب السنبلة والريف، أو بالأحرى بين الحزب وأعضائه المنحدرون من الريف، كما أن هذه “التدوينات” لم توضح بتاتا إن كان يتحدث هو أيضا عن أحداث 58/59 وعلاقة حزب الحركة الشعبية بها وبباقي أطراف الصراع السياسي أنذاك؟! أم كان يلمح، ربما، إلى شيء أخر قد يهم مرحلة أو أحداثا ووقائع غير تلك التي تهم الرأي العام وساكنة الريف، أو أن هذا الموضوع لا أساس له من الصحة ولم يحدث إلا في ذهن “أجناد الحلقة”.
شخصيا أستبعد أن يكون الشخص الذي تحدثت عنه هذه التدوينات هو نفسه نبيل اليزيدي، المستشار البرلماني عن إقليم الحسيمة، والسبب في ذلك بسيط للغاية، فكلاما بهذا الثقل السياسي والقانوني لا يمكن أن يتفوه به شخص مهما كانت سذاجته، وما بالك بسياسي محنك وشخص في هذا المقام والموقع، فلا أظن كلاما عن عنصرية حزب مغربي تجاه أهل الريف، وعرقلة مصالحهم من طرف الأمين العام، سيصدر عن مستشار برلماني وشخص يطمح للحصول على موقع في الواجهة، وبالأحرى سيصدر عن شخص هو في الأصل رجل قانون ويحترف المحاماة.
بالنسبة لي أنزه أي شخص عاقل على الخوض في مثل هذه المواضيع الحساسة وبهذه الطريقة بالذات، لأن اتهام حزب مغربي بالعنصرية والإقصاء الممنهج لبعض أعضائه ومعاكسة مصالحهم، فقط بمبرر انتماء هؤلاء إلى منطقة معينة، ليس بالأمر السهل ولا يمكن أن يكون “كلام مواقع ولا “حديث مقاهي”، فالأمر يفترض قدرا وافرا من المسؤولية القانونية والأخلاقية والجرأة السياسية التي لا نظن أن الرجل يفتقد إليها، والحالة هذه ورفعا لكل لبس، فالموضوع يفترض تقديم توضيح رسمي من كلا الطرفين، أي من حزب السنبلة والأستاذ نبيل اليزيدي، سواء حدث هذا الأمر أو لم يحدث.
إنه من حق الرأي العام والناخبين أن يعرفوا، ليس فقط، مصير الخلاف الذي قالت هذه التدوينات أنه “تصاعد بين أوزين وأعضاء الحزب من الريف بعدما شعر هؤلاء المستشارين بأن أوزين يسعى لإقصائهم وتعزيز نفوذه الشخصي على حساب مصالح منطقة الريف… وإنما يجب أن يعرفوا أيضا، وهذا هو الأهم، الخطوات السباسية والقانونية التي أقدم أو سيقدم عليها هؤلاء الأعضاء اتجاه الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، محمد أوزين، الذي “أدلى بتصريحات ضد أبناء الريف وُصفت بأنها عنصرية…” حسب قولهم طبعا.
ومهما يكن، فالذي اتضح من هذا الكلام، أن “نبلاء المواقع” لم يقرؤوا يوما تاربخ حزب السنبلة، وربما لا يهمهم ذلك، لأن الحزب حسب تدويناتهم مجرد ٱلية لحصد الإمتيازات ومظلة انتخابية، ولا شيء غير ذلك، هولاء “النبلاء” لا يعرفون تاريخ من سبقهم إلى هذا الحزب من بني جلدتهم، وربما لا يعرفون تاريخ حتى من ساهم في تأسيسه من أبناء الريف، وكان مصيرهم في القيادة أيضا هو “الزلاقة”، بدء من القيادي الحركي المرحوم حدو أبرقاش وصولا إلى الأستاذ محمد الأعرج الذي مسته نُذُرٌ الشؤم وزيرا ثم نائبا برلمانيا.
فالجميع يعرف الظروف التي فقد فيها هذا القيادي في حزب السنبلة مقعده في الانتخابات التشريعية الجزئية ل 21 يوليوز 2022، نعم حدث هذا للاستاذ محمد الأعرج، الذي سبق أن انتخب برلمانيا لثلاث ولايات وكان عضوا ورئيسا للجنة العدل والتشريع منذ 2007 وعضوا بالإتحاد البرلماني العربي منذ 2011، في الوقت الذي كان يُمَنِّي نَفْسَهُ بعضوية المحكمة الدستورية، ولكن للحقيقة والتاريخ أولى “نُذُرٌ الشؤم” كانت قبل ذلك بقليل، وبالضبط كانت مع اقتراع 8 شتنبر 2021.
في هذا التاريخ تأكد للجميع أن “الشَّر” مَسَّ كذلك الحزب الأول والقوي بالريف، ففي هذا اليوم خَرَّ هذا الحزب وهوت بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ، ولم تستطيع قيادته الريفية بتاريخها اليساري واليميني، بأعيانها وأطرها، منح الحزب بجماعة الحسيمة، مثلا، سوى مقعدين ب 569 صوتا، وهو الحزب الذي كان يترأس قبل ذلك 25 جماعة بالإقليم، إلى جانب المجلس الإقليمي والجهة لولايتين، وتولى أمانته العامة كل من إلياس العماري وعبد الحكيم بنشماس، بل وترأس كذلك مجلس المستشارين في شخص هذا الأخير.
كما أن أسماء أخرى، من الريف، سبق أن تولت رئاسة فريق الحزب بمجلس المستشارين وأخرى مثلته كأعضاء في مجلس المستشارين والنواب، زيادة على رئاسة المجلس السياسي للجنة المتوسطية للمدن والحكومات المحلية المتحدة، ليس هذا فقط، بل الحزب القوي كان يترأس، ودائما باسم أشخاص ينحدرون من الريف، الجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات وأيضا المنظمة العالمية للمدن والحكومات المحلية المتحدة.
تصوروا معي، كل هؤلاء القادة دخلوا في عُطْل سياسي مفاجئ، وخرجوا عن الخدمة في لحظة واحدة، نعم حدث هذا في الوقت الذي احتل فيه هذا الحزب المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ومهما كانت التفاصيل وتعددت القراءات والروايات وتنوعت التبريرات فالذي حدث أشبه بسيل جارف ألقى بقادة هذا الحزب المنحدرين من الريف، إلى الحضيض “كجُلمودِ صخرٍ حطّه السيلُ من علِ”، على حد تعبير الشاعر امرؤ القيس.