في خطوة غير محسوبة، صدر قرار مشترك بين وزير الشباب والثقافة والتواصل، والوزير المنتدب المكلف بالميزانية، أول أمس الثلاثاء، حدّد سقف دعم التسيير والاستثمار لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع، ما أثار الجدل في الوسط الإعلامي المغربي، وزاد من مخاوف تراجع الدعم العمومي الموجه للمقاولات الصحفية الصغرى، وهو ما يثير تساؤلات عدة حول نوايا الحكومة في هذا المجال.
هل تهدف الحكومة إلى تقوية الإعلام الوطني أم أنها تدفع بالصحافة المستقلة وخاصة المنشآت الصغرى إلى الإعدام الجماعي؟ وهل يهدف هذا الإقصاء إلى خلق بيئة إعلامية حكومية ومصلحية غير خاضعة للرقابة، تتسبب في توترات مستقبلية قد تهدد استقرار البلاد لاقدر الله؟
لقد أصبح الدعم العمومي لقطاع الصحافة أحد الملفات الساخنة التي تثير الانتقادات في صفوف الصحافيين والصحافيات والمجتمع المدني كذلك. غير أن قرار الحكومة الأخير بإقصاء المقاولات الصحفية الصغرى من الحصول على هذا الدعم العمومي يثير الكثير من الأسئلة حول دوافعه الحقيقية. إذا كان الهدف المعلن هو تحسين جودة الصحافة وتنظيم القطاع، فإن الواقع يشير إلى أن هذا القرار الوزاري المشترك قد تكون له تداعيات بعيدة المدى على مصداقية الإعلام واستقلاليته. وضربا للتعددية والأقليات، لابد من الإشارة إلى أن المقاولات الصحفية الصغرى تمثل جزءاً مهماً من التنوع الإعلامي في المغرب، فهي تشكل قناة للوصول إلى فئات واسعة من المجتمع، وتعد منصة للآراء وهموم الناس البعيدة عن المركز، والتي قد لا تجد مساحة في وسائل الإعلام الكبرى. إقصاء هذه المقاولات من الدعم سيؤدي إلى تضييق الفرص أمام هذه الأصوات الصغيرة التي تسعى إلى التعبير عن وجهات نظر متنوعة.
إن مخاطر إقصاء الصحافة الصغرى ستكون له لامحالة عواقب على الاستقرار الوطني، لأنه سيؤدي إلى تزايد التركيز الإعلامي في يد قلة من المؤسسات الإعلامية الكبرى التي قد تكون أكثر عرضة للضغط السياسي أو الاقتصادي. فحينما يتم تهميش الصحافة الصغرى، يصبح الإعلام أكثر قابلية للهيمنة من طرف قوى محدودة، مما يهدد التنوع الإعلامي ويضعف قدرة الجمهور على الوصول إلى معلومات متوازنة ومستقلة.
أكثر من ذلك، فإن هذا الإقصاء قد يدفع الصحافيين والصحافيات العاملين في هذه المقاولات إلى اللجوء إلى منصات إعلامية غير خاضعة للرقابة أو التأثير الحكومي، مثل وسائل التواصل الاجتماعي أو منصات إعلامية دولية. وفي هذه الحالة، يصبح من الصعب السيطرة على المضامين التي يتم نشرها، ويزيد من خطر انتشار الأخبار المضللة والشائعات، وهو ما يمثل تهديداً للاستقرار الاجتماعي والسياسي.
إلى جانب التأثيرات الإعلامية، لا يمكن تجاهل الأبعاد السياسية والاجتماعية لهذا القرار. فمع تزايد الاستقطاب السياسي في البلاد، قد يساهم إقصاء الصحافة الصغرى في خلق بيئة غير مواتية للتسامح والحياد. والصحافة، باعتبارها رقيباً على السلطة، قد تتعرض للتضييق، ما قد يؤدي إلى تحفيز فئات معينة من المجتمع على تبني مواقف معارضة أكثر صراحة.
ففي وقت حساس تشهد فيه المملكة تحديات اقتصادية واجتماعية، من المهم أن تحرص الحكومة على إيجاد توازن بين حماية حرية الصحافة وتنظيم القطاع. فالتراجع عن هذا القرار قد يكون خطوة مهمة لتجنب المزيد من الاحتقان الاجتماعي والسياسي، بينما يمثل استمرار هذا التوجه خطرا على الحريات العامة في البلاد.
إن الإعلام الحر والمستقل وخاصة المنشاة الصغرى بالمداشر والقرى والمدن النائية التي ندافع عنها، هو أحد أعمدة الديمقراطية والمجتمع المدني. وبالتالي، فإن حرمان الصحافة الصغرى من الدعم العمومي قد يؤدي إلى انحسار التنوع الصحفي وتهديد استقلالية الإعلام. ومن أجل تجنب العواقب السلبية التي قد تضر بالمؤسسات الإعلامية والوطنية على حد سواء، يجب على الحكومة المغربية وخاصة وزارة التواصل إعادة النظر في هذا القرار، والسعي إلى إيجاد حلول تحفظ توازن الصحافة وتدعمها في مواجهة تحديات العصر.
إن استمرار الهجوم على الصحافة الصغرى لن يخدم المصلحة الوطنية بتاتا، بل قد يؤدي إلى إضفاء مزيد من الاحتقان السياسي والإعلامي في المستقبل. ومن هنا، يصبح الحوار والتفاهم بين الحكومة والمجتمع الصحفي أمرا ضرورياً للحفاظ على استقرار البلاد وضمان إعلام مستقل ومتوازن.
بوحدو التدغي