إعداد وترجمة: فكري سوسان
تعد الكاتبة التشيلية إيزابيل أييندي Isabel Allendeواحدة من أبرز الأصوات الأدبية في أمريكا اللاتينية. في هذا النص المؤثر، تقدم تأملاتها حول الحياة والموت، مستندة إلى تجربة شخصية عميقة بفقدان ابنتها باولا Paula منذ 27 عاما، وربطها بالتغيرات التي عاشتها خلال جائحة كوفيد-19. تتحدث أييندي عن فقد الأشياء، ترتيب الأولويات، وإعادة التفكير في شكل العالم الذي نريده.
تأملات أييندي في الموت والحياة تعكس حكمة نابعة من تجربة شخصية مؤلمة ومن رؤيتها للعالم أثناء الجائحة. في النص التالي، تشارك الكاتبة بصدق رؤيتها حول الفقد، الأولويات، والمستقبل الذي تحلم به للبشرية.
________________________________________
النص:
منذ وفاة ابنتي باولا قبل 27 عاما، فقدت الخوف من الموت.
أولا، لأنني رأيتها تموت بين ذراعي، وأدركت أن الموت يشبه الولادة؛ إنه انتقال، عتبة نعبرها، وفقدت خوفي الشخصي منه. الآن، إذا أصابني الفيروس، فأنا أنتمي إلى الفئة الأكثر عرضة للخطر: كبار السن. عمري 77 عاما، وأعلم أنه إذا أصبت، فسوف أموت. لذا، فإن إمكانية الموت أصبحت واضحة جدا بالنسبة لي في هذه اللحظة، أراها بفضول وبدون أي خوف.
ما علمتني إياه الجائحة هو التخلي عن الأشياء، وإدراك كم أنني بحاجة إلى القليل فقط. لا أحتاج إلى الشراء، لا أحتاج إلى ملابس جديدة، لا أحتاج إلى الذهاب إلى أي مكان أو السفر. أشعر بأن لدي أكثر مما أحتاج. أنظر حولي وأتساءل: لماذا كل هذا؟ لماذا أحتاج إلى أكثر من صحنين؟
ثم أدركت من هم الأصدقاء الحقيقيون، والأشخاص الذين أريد أن أكون معهم.
ماذا تعتقد أن الجائحة تعلمنا جميعا؟ إنها تعلمنا ترتيب الأولويات وتكشف لنا واقعا حقيقيا. واقع عدم المساواة. كيف أن البعض يقضي الجائحة على متن يخت في الكاريبي، بينما يعاني آخرون من الجوع.
كما علمتنا أننا عائلة واحدة. ما يحدث لشخص في ووهان Wuhan، يحدث للكوكب كله، يحدث لنا جميعا. لم تعد هناك فكرة القبيلة التي تجعلنا نعتقد أننا منفصلون عن البقية، وأن بإمكاننا حماية أهلنا بينما يعاني الآخرون. لا توجد جدران أو حواجز يمكنها فصل الناس.
المبدعون، الفنانون، العلماء، الشباب، والكثير من النساء، جميعهم يفكرون في وضع طبيعي جديد. لا يريدون العودة إلى ما كان يعتبر طبيعيا. يسألون أنفسهم: أي عالم نريد؟ هذا هو السؤال الأهم في هذه اللحظة. ذلك الحلم بعالم مختلف: هذا هو الاتجاه الذي يجب أن نسلكه.
وأتأمل: أدركت في مرحلة ما أن الإنسان يأتي إلى العالم ليخسر كل شيء. كلما عشنا أكثر، فقدنا أكثر. تبدأ بفقدان والديك، ثم أشخاص عزيزين حولك، وحيواناتك الأليفة، وأماكنك، وحتى قدراتك الشخصية. لا يمكن العيش في خوف، لأنه يجعلك تتخيل ما لم يحدث بعد، فتعيش الألم مرتين. علينا أن نتعلم الهدوء، نحاول أن نستمتع بما لدينا، ونعيش اللحظة الحاضرة بكاملها.
— إيزابيل ألليندي
________________________________________
تأمل ختامي
تأملات أييندي ليست مجرد كلمات عن حياتها الشخصية، بل دعوة صادقة للتفكير في واقعنا المشترك، وفي مسؤوليتنا عن بناء عالم أكثر إنسانية وعدلا. فما نوع العالم الذي نريد بناءه؟ وكيف يمكننا أن نعيش بحكمة وشجاعة في مواجهة الفقد والمجهول؟