*بقلم: فكري سوسان
أيها الشباب، أيها الكنز الإلهي
ها أنت ذا ذاهب كي لا تعود
عندما أريد أن أبكي، لا أبكي
وأحيانا، أبكي دون أن أريد
Rubén Daríoروبين داريو
عزيزي القارئ،
الحياة مسرح كبير، وكل واحد منا يلعب دوره على هذا المشهد العابر. أحذيتنا، هذه الرفيقة المخلصة، تؤدي دورا أساسيا في إيقاع خطواتنا على مر الزمن. وكما قال الكاتب الإسباني خوان خوسيه ميَّاسJuan José Millás، هناك لحظتان محوريتان في حياة الإنسان ترتبطان بهذه الرفيقة.
الأولى هي عندما نتعلم ربط الحذاء. هذه اللحظة الصغيرة في الطفولة ليست مجرد عقدة، بل إنجاز يعبر عن أولى خطواتنا نحو الاستقلال. كل عقدة تمثل تحديا صغيرا نتجاوزه، وكل رباط يُحكم يرمز إلى بداية رحلة مليئة بالاكتشافات والتحديات، حيث ترشدنا أحذيتنا في كل خطوة من مسيرتنا. آهٍ، كم كانت تلك الأيام بسيطة حين كانت عملية ربط الحذاء مغامرة بحد ذاتها!
ثم تأتي اللحظة الثانية: حين تصبح عملية الانحناء لربط الحذاء مهمة شاقة. وهذا لا يعكس مجرد تحدٍ جسدي، بل هو رمز لفقدان المرونة والرشاقة، جسديا وذهنيا. إنه تذكير بأن الزمن لا يرحم، وأنه يترك بصمته علينا.
في هذه المرحلة من رقصة الحياة، يشعر الكثيرون بمزيج من الإحباط والاستسلام. الإحباط لأن الأمر يعني فقدان الاستقلالية والاعتماد على الآخرين أو اللجوء إلى حلول عملية مثل الأحذية التي لا تحتاج إلى رباط. والاستسلام لأن الجسد لم يعد يستجيب كما كان من قبل، مما يجعل المهام اليومية تبدو وكأنها تحديات.
“الأحذية القديمة”، للفنان غرانت وود Grant Wood – 1926
كما وصف بلطاسارغراسيان Baltasar Gracián (1601-1658) ، الكاتب واليسوعي الإسباني في العصر الذهبي، الأعمار تحولنا من طاووس يافع إلى قرد حكيم، مرورًا بالأسد المفترس والجمل المتحمل في مسارنا. في العشرينات، ننشر ريشنا كطواويس، نفتخر بشبابنا. في الثلاثينات، نصبح أسودا، مليئين بالقوة والحيوية. في الأربعينات، نتحول إلى جمال، نحمل المسؤوليات بثبات. في الخمسينات، نتغير كالأفاعي، نبدل جلودنا ونتأقلم. في الستينات، نصبح كالكلاب الوفية، نستمتع بكل لحظة ونتعلم من الحياة. في السبعينات، نصير كالقردة، نتنقل بين الذكريات ونحتفي بالحكمة التي وهبتنا إياها السنين. لكن كما قال غراسيان، في الثمانينات نصبح… لا شيء! أم ربما نصبح شيئًا آخر؟
في هذه الرحلة، أحذيتنا ليست مجرد إكسسوارات. إنها شهود على طريقنا ورقصاتنا. كل زوج يحمل قصة، يحمل معه تجارب ودروسا، لأن كل مرحلة في الحياة تمنحنا طريقة جديدة للسير.
لذا، أصدقائي، لنربط أحذية الحياة جيدا ولنرقص بخفة وحكمة في كل فصل من هذا العرض الكبير. دعوا الكوميديا والحكمة تلازمان كل خطوة.
“رجل مسن مثقل بالهموم”، فينسنت فان غوخVincent Van Gogh1890
وفي الختام، لنتذكر كلمات الكاتبة والصحفية الإسبانية روزا مونتيرو Rosa Montero: “إذا كنت أشعر بداخلي أنني ما زلت في العشرين من عمري، فلماذا ينظر إليّ هذا العجوز الأحمق من المرآة؟” وربما كان هذا العجوز مجرد قناع. في رقصة الحياة، دعوا روحنا الشابة تقودنا دائما، بغض النظر عن عدد الساعات التي دارت على عقارب الزمن.
*أستاذ جامعي بجامعة محمد بن عبد الله بفاس