*بقلم فكري سوسان
“لا داعي للبحث عن المعاناة، ولكن إذا جاءت وحاولت التسلل إلى حياتك، فلا تخف؛ انظر إليها في عينيها وواجهها بكل شموخ “. فريدريك نيتشه.
في نسيج الوجود الإنساني، يتشابك الألم والمعاناة مع لحظات الفرح والانتصار، مما يثير تساؤلات عميقة: لماذا علينا أن نواجه الألم؟ المفكر والكاتب الألماني هرمان هيسه Hermann Hesse يجيب: “بدأت أدرك أيضًا أن الألم وخيبات الأمل والحزن لا توجد لتزعجنا أو لتغرقنا في هوة من القلق والعبثية، بل لتختبر صلابتنا وتنضج ذواتنا”. هيسه يدعونا إلى فهم جديد للألم. بدلاً من رؤيته كعائق، يشير إلى أن الألم أداة لاختبار صلابتنا والنضج.
الألم ليس اختيارًا، بل حقيقة حتمية في الحياة. الأمثلة العملية على هذا المفهوم كثيرة: الناجون من الحروب يكتسبون قوة نفسية غير عادية، والمبدعون الذين حولوا معاناتهم إلى أعمال خالدة مثل فان غوخVan Gogh، الذي وثق ألمه في لوحاته. هذه التجارب تؤكد كلام هيسه بأن الألم ليس نهاية المطاف، بل بداية للنمو.
تعكس الصورة تعقيد الألم الإنساني: عملية تُحطّم وتُشعل في الوقت ذاته شرارة التحوّل الداخلي. بين الشقوق واللهب، تكمن القدرة على إعادة البناء من رحم المعاناة
جبران خليل جبران يقول: “إن ما تشعرون به من ألم هو انكسار القشرة التي تغلف إدراككم”. هذا يعني أن الألم يوسع أفقنا لفهم أعمق لذواتنا والعالم من حولنا. خذ على سبيل المثال أولئك الذين عانوا من فقدان شخص عزيز. غالبًا ما تتولد لديهم مشاعر تعاطف أعمق مع الآخرين، مما يجعلهم قادرين على بناء علاقات أقوى وأكثر إنسانية. الألم، إذًا، ليس فقط اختبارًا، بل نافذة نحو فهم أكثر شفافية للحياة.
الفيلسوف كيركغاردKierkegaardقال: “الحياة ليست مشكلة يجب حلها، بل واقع يجب تجربته”. عندما نواجه الألم بشجاعة، نصبح أكثر استعدادًا لمواجهة المستقبل. الأزمات الاقتصادية، على سبيل المثال، أظهرت مرارًا كيف يمكن للأفراد أن يعيدوا بناء حياتهم رغم الخسائر، مستفيدين من التجربة للنمو وإعادة التكيف. هذا التحول يؤكد أن الألم يمكن أن يكون محفزًا للتطور وليس عائقًا.
الألم ليس عدوًا بل شريكًا في رحلتنا الإنسانية. كما قال نيتشهNietzsche : “ما لا يقتلني يجعلني أقوى”. علينا أن نتعامل مع الألم كفرصة للنمو والتعلم. من خلال احتضانه بشجاعة، يمكننا تحويله إلى مصدر للإلهام والقوة، مما يجعل حياتنا أكثر عمقًا ومعنى.
*أستاذ بجامعة محمد بن عبد الله بفاس