بقلم: عبد العزيز حيون
طلعت، قبل أيام، أصوات نشاز تنتقد الصحافيين والإعلاميين والمدربين وجانب من الجمهور ،الذين عبروا عن امتعاضهم من الطريقة التي يدبر بها وليد الركراكي المنتخب المغربي، وهو المنتخب الذي يعج الآن بأمهر وأفضل اللاعبين العالميين، أداء وأخلاقا وسلوكا وعلو الهمة وانضباطا .
وانتقاد وليد الركراكي لم يأت من فراغ ولم يكن مجانبا للحقيقة بل هو نابع من واقع ملموس ودلائل مدركة، وقد وجه هذا الانتقاد أناس لهم دراية واسعة ووعي بالشيئ و معرفة علمية بمجال كرة القدم ،من ضمنهم بعض المدربين العالميين المرجعيين،دون الحديث عن لاعبين مغاربة سابقين وصحافيين محنكين لهم باع طويل في الممارسة الصحافية ،دون الحديث عن الجماهير المغربية الشغوفة بكرة القدم ،والتي لها ثقافة رياضية محترمة وتتابع عن كثب البطولات العالمية التي تمنحها الخبرة الكافية ،ولو غير المؤطرة علميا ، لتقييم المباراة وأداء الفرق و عطاء اللاعبين الجماعي والفردي .
ويبقى الدافع لانتقاد وليد الركراكي ، كمدرب دون مسه كشخص نحترمه ونقدره ، ليس اعتباطيا ولا لإرضاء جهات ما مناوئة للكرة المغربية ولا حبا في الانتقاد ولا رغبة في الانتقاص من عطاءات النخبة المغربية ،بل لإن المنتخب المغربي “شأن وطني” بامتياز ،و هو ملك للجميع ومن حق كل المغاربة أن يروه في أعلى المراتب ،لأن هذا المنتخب يمتلك حاليا كل المقومات و المؤهلات ليكون في صدارة اللائحة النموذجية للمنتخبات العالمية ،دون الحديث عن الإمكانات التي توفرها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بقيادة رئيس ذكي ونبيه وعارف ،سواء من الجانب المالي أو في استقطاب أبرز اللاعبين من أصول مغربية وتسهيل حصولهم على الجنسية الرياضية .
ومتى كان المدرب الوطني “مقدسا” وفق تصور بعض المنسوبين لمهنة الصحافة ولمجال الإعلام حتى لا يوجه له الانتقاد ؟!!!،والانتقاد والتقييم لا يفسد للود قضية والاختلاف في الرؤى والآراء جزء طبيعي من التفاعل البشري،و الانتقاد يطال حتى أعضاء الحكومة والبرلمان ومسؤولين كبار ومدبري الشأن العام والأحزاب ومختلف المجالس والهيئات الدستورية ،بفضل التطور الديموقراطي الذي ينعم به المغرب وتشبع المغاربة بالروح الديموقراطية ،و العيب هو أن ينعت (الضمة على الياء)المنتقدون للركراكي ب”غير العارفين” و”الجاحدين ” و”غير العقلاء ” ، وكأننا نتحدث عن علم الفلك والفيزياء النووية وعلوم التعقيد complexity science والمسألة الحاسوبية …
هل يدري المدافعون عن الركراكي (دون أن يطلب منهم أحد ذلك أو من يصنفهم المغاربة ضمن خانة “الكاري حنكو” )، أن المدربين العالميين الكبار جدا تعرضوا للانتقاد في مراحل مختلفة ،والأمثلة كثيرة للغاية ، ولعل أبرز هذه الأمثلة المدرب المتميز بيب غوارديولا والمدرب المحنك كارلو أنشيلوتي والمدرب المجرب جوزي مورينيو و المدرب المجتهد فينسنت كومباني (بايرن ميونخ) والمدرب المثابر روبن أموريم (مانشيستر يونايتد) و المدرب المجرب دييغو سيميوني و المدرب الراقي أليكس فيرغوسون والمدرب المثقف أرسين فينغر ..وما يجمع بين هؤلاء ،رغم تعرضهم للانتقاد الشديد ، هو أنهم حصلوا على ألقاب كثيرة ولهم بصمة خاصة في تاريخ الكرة العالمية بأفكارهم وخططهم و استراتيجياتهم وطريقة لعبهم الفريدة التي أبدعوا فيها وتحسب لهم لا لغيرهم .
وهؤلاء المدربون العظماء ،بكل ما تعني الكلمة من معنى ، اعترفوا بأخطائهم حين أخطأوا واعتذروا لمحبي الفرق التي أشرفوا أو يشرفون على تدريبها ،بل منهم من انسحب حين كان من الضروري الانسحاب ،ومنهم من اعتبر الانتقاد حافزا له ليطور نفسه ويبحث عن حلول عملية تمكن من المحافظة على الموقع الاعتباري لفريقه احتراما لجمهور النادي ،الذي لا يقبل العشوائية والهزالة وسوء التقدير والقراءة الضعيفة للمقابلات وعدم فهم تاكتيكات الخصم وطريقة لعبه وعدم توقع تحركات الخصوم .
نعم كان المغاربة يفرحون في السابق أيما فرح لتأهل المنتخب المغربي للمونديال في سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي ، حين كان التأهل على مستوى القارة الأفريقية صعبا جدا ومحصورا في فريق واحد أو في فريقين أو ثلاثة ثم لاحقا خمسة مقاعد قبل أن يصل العدد الآن الى تسعة مع إمكانية وصول العدد الى عشرة في زمن سي الركراكي ،والنخبة الوطنية التي أشرف على “تدريبها” سي الركراكي في مونديال قطر أهلها ، وبكل موضوعية وللتاريخ ،المدرب البوسني وحيد خليلهودزيتش .
والتبجح بتأهيل المنتخب المغربي الى مونديال الولايات المتحدة وكندا والمكسيك (2026)،حين يصل عدد المنتخبات المتأهلة من أفريقيا الى تسعة أو عشرة ،هو جرأة مستهجنة و هو من المن المذموم الذي يعد من الكبائر ،مع العلم أن الانتصارات التي حققها المنتخب المغربي يعود فيها الفضل الى اللاعبين واجتهادهم الشخصي وقدرتهم على تغيير النتائج كباقي اللاعبين العالميين الكبار .
ومن تم الدعوة الى البحث عن مدرب من الطراز الأول لقيادة المنتخب المغربي فيما هو قادم من منافسات (الدعوة) مشروعة ونابعة من الغيرة على فريق يعج باللاعبين المرموقين وهي أيضا خلاصة ما شاهدناه من مباريات واجهنا خلالها فرقا ضعيفة استقبلناها في عقر دارنا وأمام جمهورنا الشغوف ،وليس من باب الانتقاد من أجل الانتقاد بهدف الإساءة وتقليل الشأن ،لأن لا أحد منا يريد أن يزيح وليد الركراكي و يأخذ مكانه ،وهو الشخص الذي كنا نعزه حين جاور النخبة الوطنية كلاعب وطني غيور على علم بلاده .
فناموا “الأعزاء ،مريدو الركراكي ” قريري العين فما يدفعنا الى إبداء الرأي إلا الغيرة العقلانية والمحمودة وليست الغيرة المرضية على هذا البلد الذين نريده في الأعلى دائما ،وهو يستحق ذلك ،كيف لا وبلدنا أمة يمتد تاريخها ،بفضل الحفيظ المنان ، الى 13 قرنا .
وأعتذر للقارئ النبيه إذا تكلمت عن نفسي ،فحديثي عن كرة القدم ليس من باب التطاول والاستطالة على الركراكي مجانا ،ويكفي أن أشير الى أني كنت المسؤول عن صحافيي وكالة المغرب العربي للأنباء الذين قاموا بتغطية متميزة لمونديال روسيا وبرزوا بتغطياتهم وتحليلاتهم وتعليقاتهم المجردة التي استغلها زملاء صحافيون ،علانية أو بطريقة مستترة ،بإنجاز غير مسبوق ولا ملحوق والله أعلم بلغ 470 قصاصة .وهذا دون الحديث عن كتاباتي العديدة جدا عن البطولة الوطنية ومباريات المنتخب المغربي مع كبار القوم والدربيات الوطنية .
وختاما ما رأي المنتقدين لمنتقدي الركراكي فيما قاله المدرب أرسين فينغر ، المدرب والخبير المرجعي في كرة القدم ؟، “المنتخب المغربي يمتلك ذخيرة كبيرة، وكما هائلا من النجوم واللاعبين الجيدين، بمستوى كبير وعالمي، ولكن سوء التوظيف، والتعامل معهم من جانب المدرب، أمر يطرح الكثير من الأسئلة، ويمكن أن نقول إن المغرب، لا يستغل الأجيال وجودة اللاعبين” .
ولكم التعليق .