محمد الزياني
استهلال: نغتنم فرصة انعقاد الجمع العام المقبل الذي أجل إلى 12/04/2025 لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة ، لتذكير الجيل الحاضر بأبرز المحطات التي يزخر بها سجل هذا الفرع عبر تجاربه المتعاقبة على مدار 35 سنة من المثابرة والتضحية والاشتغال على الملفات الساخنة من اجل إعلاء قيم حقوق الإنسان وحمايتها والنهوض بها بهذه المنطقة العزيزة… وإن اندرج هذا ضمن صون ذاكرة الفرع ومجده التليد ، إلا أن المناسبة تقتضي في جانبها الأساسي المطارحة الصريحة والتّسآل المحفزين على المكاشفة والاعتراف المتبادل بالمثبطات والإكراهات الذاتية والموضوعية التي تعرقل عمل الجمعية وطنيا وفرع الحسيمة تحديدا.. عسى أن يشكل ذلك سمادا لإنعاش وإخصاب ما تبقى من أمل التجاوز للوضعية الراهنة واستئناف المسير تحت قساوة التحديات التي تحاصر إطارنا الحقوقي ـ مركزا وفروعا ـ من كل حدب وصوب بنية النيل من خطه الحقوقي و إخماد شرارة نضاله المستميت من أجل تسييد قيم الحرية والديمقراطية و الكرامة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان ف” المغرب وفكول مكان”
الجزء الثاني :
2 ـ في تداعيات الاصطفاف والتدافع السياسيين:
ظل الفرع ، لفترة طويلة ، وفيا لتجربة الانطلاقة بإيلائه الأهمية القصوى لاستثمار الكفاءات والطاقات التي يحتضنها بتباين مشاربها الفكرية والإديولوجية و تنوع حقول اهتماماتها بما يعضد تجانس هذه الكتلة المشبعة بذات ” الرؤية الحقوقية ” الرامية إلى رسم معالم استراتيجية توافقية بين الحساسيات اليسارية الجذرية و الديمقراطية لتلك المرحلة (اما تعكسه بشكل جلي تشكيلة المكتب التأسيسي) المحسوبين أعضاؤه على التنظيمات : الاتحاد اشتراكي ـ حزب الطليعة ـ الديمقراطيون الجذريون وفعاليات مستقلة ) ، مع استحضار معطى أساسي شكل مبعث حماسة هذا التفاعل الإيجابي بداية التسعينات ، وهو ما جسده انطلاق النقاش السياسي الوطني حول ” اليسار الجديد” بهدف لم شمل فصائله ،في إطار ” عملية التجميع ” التي ، مع الأسف، أخطأت موعدها مع التاريخ وأفضت إلى ما أفضت إليه من تكريس لقاعدة ” تجزيء المُجزإ وتفتيت المُفتت ..” بعدما انزوى كل طرف منها في جبته السياسية مكتفيا بذاته في مواجهة سواه من رفاق الأمس بعدما برزت إلى الوجود أسماء متباينة لذات الأسرة اليسارية الجدرية منها : النهج الديقراطي،الديمقراطيون المستقلون والحركة من اجل الديمقراطية وبعدها الخيار الديمقراطي القاعدي …مما حول مربع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وطنيا إلى مجال للصراع السياسي و جسر للعبور نحو الهيمنة على أجهزتها المسيرة..
وبما أن العبرة بالممارسة لا بالنوايا الحسنة ، فسرعان ما تسربت هذه الخلافات إلى فرع الجمعية بالحسيمة ، لتعجل بنهاية ذاك “الوئام الحقوقي” وتفسح المجال لبروز ممارسات غير مألوفة : كالجموح نحو الاستحواذ على أجهزة الفرع بمنطق الغلبة العددية عبرتسييد ثقافة ” الإنزالات” في المحطات الأساسية (تجديد المكاتب وانتداب المؤتمرين ..) دون الاحتكام للكفاءة الحقوقية ولقابلية الإبداع في رصد وتتبع الخروقات …..وغيرها من مسلكيات زاغت بتجربة الفرع عن سكتها الحقوقية الضامنة لتفاعل الرؤى والتصورات المشرئبة نحو بناء منظور يتبوصل بقيم ومبادئ حقوق الإنسان احتراما وحماية ونهوضا ودفاعا ، والزج بها مبكرا في أتون الصراع السياسي الفج بما يعنيه من إقصاء ونفي ونبذ للمختلف .
لنترك الحديث عن إنجازات الفرع لهذه المرحلةبإيجابياتها ونواقصها ،لنشير إلى ما رافق هذا الاصطفاف والتدافع السياسيين ، من اتساع رقعة الانخراطات لتشمل مناضلين ممن غادروا ، عتمات السجون حديثا ، ومعهم أفواج الطلبة القادمين من مختلف المواقع الجامعية ،التي كانت بدورها تمورغليانا بذات الصراع الفصائلي…مما جعل الصبيب الحقوقي للفرع يتقلص وينكمش شيئا فشيئا أمام حدة النزوع السياسي ..إلى درجة أضحت معها هذه العلاقة المتشنجة قاعدة عامة تحكمت في باقي التجارب البعدية ، مما شكل عائقا أساسيا أمام تقدم وتطور أداء الفرع ومؤرقا لوضعية باقي المنخرطين االمستقلين فعليا ، وهو ما سبب ، موضوعيا ، في هدر زمن الفعل الحقوقي و استنزاف طاقة الفرع في مشاحنات ومهاترات العبث المحض ! وبدل أن يتفطن الجميع لخطورة الوضع ويتجه رأسا لبحث السبل القمينة بتدبير معقلن لهذا الاختلاف الثري وتخليصالفرع من شوائبه المقوضة للحمة التنظيمية الموحدة.. عمد بعض المحسوبين على إحدى هذه الفصائل ا(الديمقراطيون المستقلون) إلى شق عصى هذه الوحدة موثرين انسحابهم الممنهج من أجهزة الفرع والانخراط في مبادرة تأسيس إطار حقوقي جهوي (منتدى حقوق الإنسان بشمال المغرب) … ومهما قيل في تقييم هذه الخطوة ومدى تأثيرها على بنية الفرع التنظيمية والبشرية وعلى أدائه النضالي ، إلا أنها ، في المحصلة الأخيرة ، مبادرة مستساغة بقدر اندراج أفقها ضمن تعزيز الصف الحقوقي الديمقراطي الذي آل على نفسه مسؤولية الدفاع عن حقوق الإنسان والنضال من أجل توسيع دائرة الحريات وضمان الطمأنينة للمواطنين بالريف الكبير والوطن عموما .. على عكس النزر القليل ممن توجهوا الوجهة المضادة ، بارتمائهم في أحضان المؤسسة ” الحقوقية ” الرسمية التي عملت الدولة على تفريخها خصيصا لمحاصرة الفعل الحقوقي الجاد للجمعية ومعها باقي التنظيمات الحقوقية الديمقراطية…ومن هؤلاء من أبان عن ” حنكته” فيضمان ” توازن الانتماء” لإطارين متناغمين للظفر بالكعكة كاملة غير منقوصة ، مستغلا بذلك الظروف الاستثنائية المفروضة على الجمعية وطنيا ومحليا..
ويحز في النفس أن يكون ضمن هذا الصنف الأخير من استقى تجربته الحقوقية من مجهود الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مستثمرا تضحيات أطرها و برامجها الوطنية والمحلية في التكوين والتأهيل…لينقلب ، فجأة ، خصما عنيدا لها محتميا بما تغدقه هاتين الجهتين من سخاء مادي ولوجستيكي للتضييق على الفرع ومحاصرة مبادراته في الرصد وتتبع الخروقات بهذه المنطقة العزيزة .
3ـ التنسيق و معيقاته الموضوعية:
ولمواجهة مضاعفات الوضع االمذكور ، ومحاولة الحد من كل نزيف محتمل ، قام الفرع عبر تجاربه الأخيرة ( المحسوبة على النهج الديمقراطي) بأكثر من مبادرة ، استهدفت الانفتاح على المحيط المحلي وإعادة الارتباط فعالياته وكفاءاته واستقطاب أخرى جديدة بمختلف انتماءاتها السياسية والعقدية منها : الأطراف التي ستلتئم فيما بعد ضمن فدرالية اليسار وأخرى محسوبة على حزب الاستقلال ، ومنتدى حقوق الإنسان بالشمال إضافة لفعاليات مستقلة ومحامون ممن شكلوا دوما الدرع الواقي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وطنيا ومحليا …
ورغم الأهمية القصوى التي يكتسيها هذا العمل التنسيقي وهذه التوافقات من حيث تعزيزها للتضامن وللوحدة النضالية في الميدان للضغط باتجاه تحقيق المطالب المشتركة عبر الآليات الحقوقية المناسبة ، إلا انه(التنسيق) في حالة فرع الحسيمة ظل يراوح مكانه في منأى عن اهتمامات المعنيين ، لافتقاره ، في تقديرنا ، لآلية تفعيل مبدأ جماهيرية حقوق الإنسان وجعل المواطنين وفي مقدمتهم قواعد هذه التنظيمات نفسها في قلب هذه البرامج بانصهارها في معمعان معاركها التعبوية والميدانية والتكوينية ، مما جعلها(المبادرات) أسيرة شرنقة الظرفية والشخصنة ، سرعان ما يخفت أوارها وتمركسحابة صيف دون أي أثر يذكر.. الأمر الذي يؤكد ، بما لا يدع مجالا للشك ، أن الأمر يتعلق بغياب رؤية استراتيجية محكومة بمنظار حقوقي ضابط لجدلية الحقوقي والسياسي في تعاطي هذا التنسيق مع مختلف الوضعيات الحقوقية بالمنطقة عبر برامج تعبوية ومبادرات ميدانية تصب كلها في الرقي بالنضال الحقوقي وجلعه يستجيب لانتظارات المواطنين ضمن محيطهم الاجتماعي ..
4ـ إكراهات المرحلة وسبل التجاوز:
إن صعوبة وتعقيدات الوضع الذي تمر منه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان اليوم وطنيا ومحليا …لا يعفينامنملحاحيةالدعوة إلى فتح نقاش داخلي لتحديد المسؤوليات فيما آلت إليه وضعية الفرع على مختلف المستويات ، شرط تفعيل آلية النقد والنقد الذاتي بثقة تامة لا يوزيها سوى الأمل في إيجاد مخارج مواتية لها واستشراف افآقالمستقبل ، وأول خطوة في ذلك، استنفار القوى والطاقات للانخراط في تدارك الزمن الحقوقي الضائع للفرع ضمن سياق عام من أهم سماته :
ـ تصاعد هجوم المخزن الذي يستهدف المد النضالي للإطارات الجماهيريةعموم و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خصوصا..مهددا بإقبارها والعودة بها إلى ما قبل 1983 ..التي وشمت عهد الجمر والرصاص. ولم يقتصر ذلكعلى محاولاته المتكررة لنزع صفة المنفعة العامة عنها ومنعها من استعمال القاعات العمومية وحرمان فروعها من وصولات إيداع ملفاتها القانونية وصولا إلى تسخير مناوئين للتشهير بمسؤوليها وأطرها للنيل من كفاءتهم و من مصداقية ومكانة الجمعية في وجدان الشعب المغربي وفي مقدمته ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان .
لقد أصبح الكل مقتنا بان الصيغة المثلى لتخليص الفرع من قوقعته وتراجع أدائه عندنا ، يستوجب في تقديرنا المتواضع الارتكاز على الأولويات التالية :
- الوقوف بكل جرأة ومسؤولية امام الذات لاستجلاء مكامن الخلل والضعف التي اعترت مسيرة الفرع ، عبرقراءة نقدية متأنية وتقييم موضوعي لأدائه ضمن سياق تاريخي وسياسي ما فتئ يأسرنا جميعا بأسئلته القلقة ، قراءة قوامها الإفصاح والاعتراف تستعين بأدوات كفيلة باستقراء الوضع الحقوقي فعليا بالمغرب وبالمنطقة خصوصا مع رسم خطة مستقبلية للاشتغال جنبا إلى جنب معية باقي الفعاليات التي لازالت تتطلع إلى المساهمة في تطوير الأداء الحقوقي للفرع .
- الانسلاخ عن كل فهم خاطئ للتحكم في أجهزة الفرع والتخلص هواجس الهيمنة واقتسام الآدوار والكراسي بالمنطق السياسي ، و الاحتكام بدل ذلك لمردودية الفاعل الحقوقي ولمدى تفعيله للقانون الأساسي والداخلي للجمعية . وتوجهاتها الاستراتيجية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان .. مع احترام تام لكل الحساسيات السسياسية التي تكوّن جسم الجمعية وفرعها بالحسيمة أساسا.
- التركيز على الورشات الحقوقية والندوات والعروض التي تعيد للفرع وهجه وعافيته وجعله قبلة لمختلف الأنشطة الإشعاعية واللقاءات المفتوحة مع الساكنة لتوضيح دور الجمعية في تتبع الخروقات وفضحها وتحديدا في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها ، باعتبار فرع الجمعية ، الجهة المؤهلة لتجميع مختلف الحساسيات و مكونات الصف الديمقراطي بالإقليم حول القضايا ذات الأولوية لدى المواطنين : الصحة ، التعليم ـ السكن ـ التشغيل…المرأة والطفل والبيئة و الثقافة الشعبية عموما والثقافة الأمازيغية خصوصا مع تعميم خطاب حقوقي ييسر الفهم لجذب اهتمام الفئات المعنية في المجتمع.
- اعتماد الإعلام الرقمي والتيكنلوجيا الحديثة للوصول إلى جمهور أوسع . والتركيز في هذا الصدد على تكوين الأعضاء في تقنيات التوثيق والمرافعة كما في الإعلام والتواصل التي شكل فيه الفضاء الأزرق ثورة حقيقية يسرت سبل الحصول على المعلومة وتداولها وفضح خروقات حقوق الإنسان والتواصل بسرعة البرق مع العالم بلا حواجز.
- ـ تدقيق التعاطي الحقوقي المستقل مع أهم الأحداث الاجتماعية والسياسية التي تجتاح المنطقة من حين لآخر ، من قبيل حراك الريف وتداعياته على المنطقة ومعتقليه وغيرها من الملفات الساخنة التي على الفرع متابعة الاشتغال عليها .
- على كل مسؤولي الفرع ومنخرطيه دون استثناء التفكير جديا في إخراج الفرع من ضائقته المالية بإيجاد سبل بديلة لتدبير موارده بما لا يؤثر علىأدائه الحقوقي والنضالي.؟
وختاما ، يمكن طرح السؤال الذي تتبدى بداهته ضمن (السهل الممتنع) للتفكير والتفاعل الجماعيين من أجل النهوض بالفرع وضمان استمراريته كرهان على الجميع التضحية من أجل بلوغه.
هل من إرادة حقيقية لتجاوز الوضع الحالي للفرع ؟ وماهي الصيغ التنظيمية الأنجع والضامنة للديمقراطية الداخلية وسريات الخطاب الحقوقي بين منخرطي ومناضلي الفرع بكل حساسياتهم وجعل الأهداف النبيلة للنضال الحقوقي تسمو على ما دونها من الرهانات ؟؟؟…