بقلم :عبد العزيز حيون
سألت صديقا عزيزا علي ،الأستاذ أحمد ، قبل سنة عن الأسباب التي جعلته يغادر مهنة التعليم عبر بوابة التقاعد النسبي ،مفضلا الابتعاد عن التدريس ،رغم نشاطه اللافت وسماته الطيبة وحيويته وتعامله اللائق مع الصغير قبل الكبير ونضجه الفكري وتصرفه بنبل وحكمة وبشاشة ونضج أخلاقي ،حتى أني اعتبرته دائما الإنسان الذي خلق ليكون مربيا للأجيال ومرشدا والراسم لخريطة الطريق الى الحق والنجاح ،بكل ما تعني هذه الكلمات من معاني ودلالات مثلى وخلاقة .
جواب صديقي صدمني بكلامه المعبر وهو يقول لي ،أريد أن أغادر مهنة التعليم “مرفوع الرأس “و “محترم” ،قبل فواة الأوان وقبل أن يأتي يوم أتعرض فيه للإهانة من قبل تلامذتي أو من أحد الآباء ،ولربما أتعرض للضرب والعنف الجسدي واللفظي أمام أنظار التلاميذ ،الذين من المفروض أن أكون قدوتهم في كل شيئ إيجابي .
قال صديقي أنا أفضل أن أحصل على أجر بسيط وتعويض عن التقاعد أقل مما أحصل عليه وأنا أستاذ ممارس ،على أن أتعرض للإساءة والإزدراء والتحقير والإذلال داخل مؤسسة التدريس والتعليم، التي من المفترض أن تكون مشتلا للخير وتربية ناشئة صالحة للمجتمع ومفيدة للبلاد والعباد ومؤسسة للرفع من جودة التربية وتكسيب المهارات الناعمة .
وقال صديقي نعم أنا أغادر لأنه لا يمكن أن أغامر بشرفي وقيمتي الإعتبارية وبكرامتي في وسط تغير كثيرا وتجره سلوكات وممارسات غريبة الى قاع مليئ بالشوائب وتعكر صفو المجتمع دون أن تلقى الحلول لتجاوزها ومحاصرتها .
قبل نحو ست سنوات خلق إعلان رسمي عن عدد الحاصلين على التقاعد النسبي من موظفي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، سجالا واسعا بين عدد من المتتبعين والمهتمين.
ويرجع هذا الاقبال الكبير على مغادرة الوظيفة عبر التقاعد النسبي، حسب العارفين بالمجال ،إلى عدة أسباب لعل أهمها الوضع المعنوي المتردي الذي أصبح عليه القطاع وما يتعرض إليه رجال ونساء التعليم من إهانات يومية ،من بين أسوأ الأمثلة ما تعرضت له أستاذة بمدينة أرفود من اعتداء إجرامي مميت ،و ما حدث في ضواحي مدينة طنجة وبالضبط بجزناية ،قبل أيام ، يجعل العديد من نساء ورجال التعليم يفضلون المغادرة بكل الطرق للأسف رغم أن التقاعد النسبي، لا يخول الحقوق الكاملة للفئة المعنية بعد طول عطاء وتضحيات .
ما يثير أكثر الاهتمام والخوف والحيرة هو أن “المتمدرسين” الذين يعرضون أساتذتهم للعنف والضرب وأصدقاءهم من داخل وخارج المؤسسات التعليمية يتباهون بهذا الفعل المشين والمستقبح و المسيئ الى كل المجتمع ،فردا فردا وأسرة أسرة ، كما أن هذا الفعل السيئ ليس أبدا للتعبير عن رد فعل ضد الاحتقار أو الظلم ،لأن رجال ونساء التعليم ليسوا المسؤولين عن وضع معين لا يرضي الفئات الشابة والمجتمع .
ونحن ننتمي لذلك الجيل الذي كان يتباهى بذكائه وتفوقه الدراسي والعلمي و الرياضي وكتاباته للشعر وإتقانه لفنون المسرح والغناء والموسيقى ومساهمته المجتمعية إما في الجمعيات أوفي الأندية أو دور الشباب ،التي كانت تساهم من موقعها الراقي في تربية الأطفال واليافعين وتواكب الشباب وتقدم لهم خدمات تربوية وترفيهية وثقافية وتنمي الكفاءات والمهارات لديهم وتعزز قدراتهم ومواهبهم .
كما أنتمي الى ذلك الجيل الذي كان الآباء يقومون بأدوارهم التربوية على أحسن وجه وكذلك ساكنة الحي التي كانت لها مساهمة خاصة في تعزيز القيم الإنسانية النبيلة وتقوم بدور المراقب عن بعد لتصحيح كل خلل أو ممارسة خارجة عن السياق الأخلاقي ،عكس ما يحصل الآن حيث تشجع عائلات أولادهم وبناتهم على مواجهة رجال ونساء التعليم بكل الطرق المسيئة ما تسبب في خلل تربوي فضيع من الصعب معالجته .
أنا شخصيا لا أدري ،على من يجب أن نلقي اللوم والمسؤولية على هذا التردي التربوي الخطير ؟ ،وما هي الحلول التي يجب أن يقدمها الموكول إليهم أمر تدبير شأن اجتماعي هام جدا من قيمة التعليم ؟،وكيف بلغنا هذا الانحدار و الانحطاط والتدهور في القيم والأخلاق؟ وما السبيل للانعتاق من هذه السلوكات الغريبة عن المجتمع المغربي الأصيل التي جرتنا الظروف والأفعال الشاذة إليها ؟ .
الحقيقة أن أعطاب التربية والتعليم أضحت كثيرة وتجر المغاربة الى تناقضات ومفارقات وسلوكيات تحاصرنا بشدة لم يعهدها المغاربة حتى يوم كان المجتمع يعج بالذين فرضت عليهم الأمية وكانت المنظومة التربوية والتعليمية بسيطة جدا ولا تخضع للكثير من البرامج والنماذج البيداغوجية و المناهج وطرق التدريس والتقييم ،التي يبدو أنها لم تفد في شيئ ،والدليل هو واقعنا داخل المؤسسات التعليمية وفي محيطها .