بقلم: عبدالهادي بريويك
في دول تُدار بالمؤسسات والدساتير، تُناقش الأمور بالأرقام، تُحاسب السياسات، وتُقاس النجاعة بالأثر.
أما عندنا، فقد ابتكر بعض المسؤولين مفهوما جديدا يُغنيهم عن كل ذلك: الحسد.
مؤخرا، خرج علينا وزير الصناعة التقليدية ليؤكد أن بعض الانتقادات التي تطال، الحكومة، لا تندرج ضمن حرية التعبير أو مراقبة الشأن العام… بل هي ببساطة شديدة: حسد.
وهنا لا بد أن نقف ونصفق، لأننا لسنا أمام تصريح عابر، بل أمام ولادة “المدرسة الحَسَدِيّة في العلوم السياسية”.
في هذه المدرسة، كل من يطرح سؤالا عن الميزانيات: حاسد.
كل من يتساءل عن فعالية معرض هنا أو تكوين هناك: حاسد.
وإذا كنت تتحدث عن مآسي الحرفيين الذين يواجهون التهميش والإهمال؟ فغالبًا أنت حاقد على نجاحات الوزير الباهرة التي لم يرها أحد بعد… سوى الكاميرات الرسمية.
إنه عصر جديد من الديموقراطية التفسيرية، حيث الحسد بات يفسر كل شيء:
لماذا لا تتقدم القطاعات؟ لأن “الطاقة السلبية” من الحساد تُعيق التنفيذ.
لماذا ينهار الاقتصاد الاجتماعي؟ لأن الناس لا تُقدّر مجهودات الوزارة وتُحبطها بنظراتهم.
ولماذا لا نجد نتائج ملموسة؟ لأنك لم تُبارك بما فيه الكفاية.
في بلدان العالم، تُواجه المعارضة ببرامج، وتُجابَه الانتقادات بالحجج، ويُرد على الأسئلة بالبيانات.
أما عندنا، فإن المسؤول لا يرد عليك، بل يشخّصك نفسيا: “أنت تحسدني”، وقد يصفك بـ”العقلية السلبية التي لا تريد الخير لهذا الوطن”… لأنك تجرأت وقلت: “أين النتائج؟”
وما دام الأمر كذلك، نقترح إنشاء مؤسسة جديدة: الهيئة العليا لمحاربة الحسد في الحياة العامة، تراقب تويتر وفيسبوك، وتمنح شهادات حسن النية.
ومن لا يُظهر الفرح عند كل إنجاز حكومي—ولو كان صباغة رصيف أو مقبرة يُدرج فورا ضمن قائمة “الحساد الرسميين للدولة”.
لقد تطور الخطاب السياسي عندنا من “العام زين” إلى “اللي ما عجبوش، راه كاين شي مشكل في قلبو”.
وهكذا، صرنا نحاسب النوايا بدل السياسات، ونناقش الأرواح بدل القرارات.
أما الوطن؟ فهو بخير… بشرط أن لا تحسده.