احتجاجات “جيل Z” تسائل أيضا الأحزاب المغربية عن دورها في تأطير الشباب

بقلم؛ عبد العزيز حيون

دستوريا من حق أفراد المجتمع، الذين يتضررون من أمر ما ويعانون من الإقصاء والهشاشة والتهميش في قطاعات اجتماعية حيوية، الاحتجاج في إطار ما هو مخول قانونيا وما تؤمنه التشريعات الديموقراطية ..
إلا أن احتجاج الشباب في حد ذاته يسائل الأحزاب المغربية عن دورها في تأطير الشباب على الخصوص وعدم تركه عرضة لمد وجزر الحياة وتقلباتها والتأثيرات السلبية من هنا أم من هناك.
لعقود من الزمن قامت الأحزاب المغربية الجماهيرية بأدوار مهمة في تأطير المجتمع عامة وفق منظومات وهياكل حزبية كانت مهمتها الأساس هو إعداد وإشراك الشباب في تدبير الشأن العام والمساهمة في بناء أسس الدولة المتينة والمشاركة في الدفاع عن القضايا العادلة الوطنية والإقليمية والدولية ،وكذا خلق نخب المستقبل، وتربية الناشئة على القيم والمبادئ السمحاء وممارسة الديمقراطية من خلال التثقيف المدني الفعال ..
قبل أن يصبح الشباب في عرف الكثير من الأحزاب، للأسف، مجرد فئة لتأثيث المشهد الداخلي وملء القاعات ورفع الشعارات وقت حضور “القيادة”، التي لم يعد لها في الواقع أي تأثير جماهيري،بل منها من تجاوزها الركب.
تاريخ المغرب حافل بأسماء مناضلة تحملت المسؤوليات الحزبية والمؤسساتية في عز شبابها،.وساهمت في بناء صرح الديموقراطية في المغرب ووضع قطار التنمية على السكة الصحيحة حتى صار المغرب على ما صار عليه، ما يجعل منه الآن نموذجا في التطور الديموقراطي.
كما أن أدوار المنظمات الشبابية في الأحزاب الجماهيرية في تكوين الشباب كانت تعد من أولويات الأحزاب والمسار الوحيد الذي يضمن مستقبل الحزب واستمراريته “الطبيعية” ويؤمن لها الحضور السياسي الحقيقي وسط المجتمع ..
وكانت الأحزاب تعمل جاهدة لتأهيل هذه الفئة الحيوية المهمة لتحمل المسؤوليات الجسام في المستقبل المنظور وليس في المستقبل البعيد حتى تشيخ ..
وهو عكس ما نراه اليوم في غالبية الأحزاب المغربية إن لم يكن جلها، التي تعمل عن قصد أو عن عدم وعي، على سد الطريق أمام الشباب حتى يتبوأ المسؤوليات في الهيئات الحزبية والهيئات المنتخبة على كل مستوياتها الأفقية والعمودية ،ودون أن تمنح الفرصة للشباب للانخراط في الفعل السياسي الحقيقي وقيادة الأحزاب، التي أضحت تكتفي باستقطاب “القيادي” “الواجد” لتحمل المسؤولية” إما بتوصية من أشخاص أو جهات ما أو بحكم روابطه العائلية أو تحت يافطة “الخبير”، وهي أمور كلها أحبطت الشباب وجعلته ينفر من السياسة ومن الأحزاب ويشكك في أدوراها..
ريادة الشباب في الأحزاب السياسية يفرضها الواقع ونسبة الشباب في العدد الإجمالي للسكان، وتراجع معدل الأمية وانفتاح الشباب المغربي على حضارات وتجارب ديموقراطية أخرى ،وكذا تنامي وسائل التواصل الاجتماعي وتطور وسائل الإعلام العابرة للحدود ..
كل هذا يجعل الشباب مؤهلا للمساهمة في التغيير ،في مقابل بروز تحديات اقتصادية واجتماعية كثيرة تستلزم الحلول الناجعة وتوازن التطور الاقتصادي ..والتطلع الى تقليل التفاوتات والفوارق المجالية لتوفير الفرص والموارد والخدمات الأساسية ووضع سياسات عمومية متينة تحترم الخصوصيات الجغرافية والبشرية ،في إطار التوجهات الاستراتيجية للمملكة .
مشاركة الشباب في الأحزاب السياسية من الهياكل الدنيا الى الهياكل العليا يمكن هذه الفئة الحيوية من المجتمع من ترجمة ما يتطلع إليه الجزء الكبير من المجتمع أو ما يرغب الشباب في تحقيقه، سواءً ارتبط ذلك بالحياة العامة أم بالحياة الفئوية .
كما أن مشاركة الشباب في العمل السياسي المدني المؤطر، الذي لا تعيره أحزاب اليوم الاهتمام الضروري والكافي، أمر بالغ الأهمية لصحة الديموقراطية وصحة المجتمع وتطوره السليم وليس العشوائي، وبالتالي فإن تهاون الأحزاب عن القيام بأدوراها في تأطير الشباب يهدر الكثير من الفرص الديموغرافية، أو ما يعرف بالعائد الديموغرافي، الذي يتيح للمملكة الاستفادة من قوته الضاربة (Strikeforce) والدرع الواقي Protective shield، التي تبحث عنها دول العالم المتحضر وتحاول استقطابها عبر قوة المال والترغيب.. وهو ما يفسر أيضا هجرة الشباب نحو الخارج بالطرق القانونية وغير القانونية .
على الأحزاب السياسية، خاصة منها الحاكمة، أن تعي أنه من واجبها التفكير في كيفية الاستثمار في التعليم وتنمية المهارات، وخلق فرص عمل لائقة للشباب، وتوفير بيئة مواتية للأعمال والادخار والاستثمار، مما يساهم في رفع مستويات المعيشة وتحقيق التنمية المستدامة وليس الأهداف السياسية المحدودة الآفاق أو التي تستجيب لتطلعات وأغراض الفئة المحظوظة من المجتمع.. وللأسف الأمثلة كثيرة ولا سبيل ولا داعي لحصرها ، وهي معروفة لدى الكل .
ملك المغرب محمد السادس لما تحمل مسؤولية العرش وهو شاب، غير معالم المغرب، طولا وعرضا، وغير العقليات التي شاخت وأسس للبناء الديموقراطي الصحيح والتنموي الحقيقي بفتح الباب أمام الشباب لتحمل المسؤوليات، ووفر الظروف المواتية لجيل جديد من التشريعات والاستراتيجيات تلائم تطور المغرب المتوازن وتفتح أمام الشباب مسارا واعدا .
وفي المقابل، لازالت الأحزاب والنقابات لم تستوعب التغيرات الديموغرافية والمجتمعية.. وكان على من يدبر شؤونها أخذ العبرة والإتعاظ لادراك الأخطاء وفهم السنن الإلهية وكذلك الاستفادة مما يجري على بعد 15 كلم فقط من المغرب، وبالضبط في إسبانيا، التي يعتبر سياسيوها أن تغيير القيادات والاعتماد على الشباب هو قرار وإجراء منطقي تفرضه حتمية الزمن والضرورة الحياتية والنمو السليم للمجتمع ،كما يفرضه الطموح العادي لفئة تعد عماد الأمة ..وهي الواقع والمستقبل .
ومن تم على الأحزاب السياسية أن تغير نظرتها للمجتمع ولكيفية تدبير الشأن الحزبي وتعاطيها مع شؤون الشباب، وإلا ستفسد على المغرب إمكانية الاستفادة من هذه الفئة التي هي الآن عملة صعبة في العالم المتحضر بأسره، ومنح الشباب فرصة التعبير عن ذواته وعن تطلعاته دون إفراط ولا تفريط ..