كتب: عبد العزيز حيون
دفعت الشهرة العالمية لقرية “هالشتات” (Hallstatt) النمساوية، المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، إلى اتخاذ إجراء غير مسبوق ،وهو فرض رسوم مالية على الزوار الذين يقصدونها، في محاولة لحماية نسيجها المجتمعي من الاختناق بسبب تدفق السياحة المفرطة.
لقد تحوّلت هذه البقعة الساحرة، التي يُعتقد أنها ألهمت مملكة “أرينديل” الخيالية في فيلم ديزني الشهير “فروزن”، من جنة خفية إلى ساحة مزدحمة تعج بعشرات الآلاف من الزوار يوميا، مما أثار صرخة السكان المحليين الذين يرون في قريتهم موطنا وليس مجرد خلفية مثالية للصور.
لا يتجاوز عدد سكان “هالشتات” 780 نسمة، إلا أن التقديرات تشير إلى أن القرية تستقبل ما يصل إلى 10 آلاف سائح يوميا في مواسم الذروة.
هذا التضارب الصارخ بين عدد السكان والزوار، والذي تغذيه موجات الاهتمام عبر منصات التواصل الاجتماعي، خلق أزمة حقيقية على كل المستويات .
ففي الوقت الذي تعود فيه السياحة بفوائد اقتصادية لا تُنكر على المجتمع المحلي، فإنها تأتي على حساب الخصوصية والراحة المعيشية.
ولم يعد الأمر يقتصر على الازدحام المروري أو الضوضاء، بل وصل إلى شعور السكان بأن منازلهم تحولت إلى متحف مفتوح يتجول فيه الغرباء دون اكتراث لوجود حياة طبيعية قائمة.
واتخذت السلطات المحلية شعار ا للرسوم في مواجهة هذا الواقع “هنا يعيش أناس”،وهو القرار الذي اعتبر جريئا ، فيما ترى السلطات المحلية خطوة هدفها الأساسي تنظيم التدفق وتخفيف الضغط بدلا من تحقيق الإيرادات.
ويحمل هذا الإجراء رسالة واضحة يتردد صداها في عنوان المأزق: “الزوار لا يدركون أن أناسا يعيشون هنا”.
ويأمل المسؤولون أن تؤدي رسوم الدخول، إلى جانب الإجراءات الأخرى للحد من حافلات السياح، إلى إعادة التوازن المفقود، وتذكير الزوار بأن سحر القرية ينبع من طبيعتها الهادئة وكونها مجتمعا حيا نابضا، وليس مجرد موقع ترفيهي جاهز لالتقاط “سيلفي” عابر.
وتُعدّ قرية “هالشتات” واحدة من الوجهات الأوروبية القليلة التي اضطرت لفرض “ثمن” على زيارتها في خطوة تعكس التحول الجذري في العلاقة بين المجتمعات المحلية وظاهرة السياحة المفرطة التي باتت تهدد التراث الذي تسعى لحمايته.