3 أسئلة لمحمد الأعرج أستاذ القانون حول الاختصاصات الممنوحة للجهات

ألتبريس. 

يوم 4 شتنبر الجاري، جرت عملية انتخاب المجالس الجهوية، ولأول مرة عن طريق    الاقتراع العام المباشر، ما أعطى صلاحيات واسعة للمواطنين لاختيار من يمثلهم داخل الجهات. وأسفرت النتائج عن فوز حزب الأصالة والمعاصرة برئاسة خمس جهات تعتبر من أهم وأغنى الجهات، فيما حصلت أحزاب التجمع الوطني للأحرار والعدالة والتنمية والاستقلال على رئاسة جهتين لكل حزب، أما حزب الحركة الشعبية فحصل على رئاسة جهة وحيدة، هي جهة فاس- مكناس. وطرح فوز حزب الأصالة والمعاصرة برئاسة جهة تضم مدنا كبرى يقودها حزب العدالة والتنمية، الكثير من الأسئلة لدى الرأي العام الوطني، حول اختصاصات الجهات وعلاقتها بالجماعات الترابية الأخرى.

الدولة تنازلت عن الاختصاصات التدبيرية للجهات وستكون حاضرة في الاختصاصات المشتركة والمنقولة

تم إجراء الانتخابات الجهوية، وبذلك سيتم الشروع في تطبيق ورش الجهوية المتقدمة، ما هي أهم المستجدات القانونية بهذا الصدد؟

في ظل قراءة أولية لما توفره مقتضيات دستور 2011 للجهة، بأنه ثمة توجه نحو عقلنة ودمقرطة أكبر للجهة، من خلال تمتيع الجهة بالشخصية المعنوية بمقتضى الدستور، ومنحها الصلاحيات التقريرية والتنفيذية والسلطة التنظيمية، مع حصر دور الولاة في مساعدة رؤساء الجهات على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، ومنح الجهة مشروعية ديمقراطية أكبر من خلال الإقرار بانتخاب المجالس الجهوية بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة.
وبقراءة أولية لهذه المقتضيات، نلاحظ أن أهم المستجدات التي أتى بها المشروع، منح رؤساء الجهات سلطة تنظيمية وأخرى ذات طابع تنفيذي.
لقد منحت السلطة التنظيمية للجهات، بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 140 من الدستور، وهذا مفاده أنه يمكن لرئيس المجلس الجهوي إصدار قرارات تنظيمية جهوية تتضمن قواعد عامة ومجردة لتنظيم مختلف المجالات التي تدخل ضمن اختصاصات الجهة. وبخصوص السلطة التنفيذية، فإن منح هذه السلطة لرؤساء الجهات إجراء جوهري لرفع سلطة الوصاية على تنفيذ مقررات المجلس الجهوي ورئيسه، فإن الرئيس سيجد نفسه مجبرا على التنسيق مع الوالي لأنه سيحتاج، في تنفيذ قراراته، إلى مساعدة المصالح الخارجية.

في ما يخص الاختصاصات الممنوحة للجهات، هل ستكون للجهات الجديدة اختصاصات وصلاحيات واسعة لتدبير شؤونها؟

للوقوف على أهمية الاختصاصات التي خولها القانون للجهة، لابد من مناقشتها من حيث الشكل أولا ثم المضمون ثانيا، فعلى مستوى الشكل احتفظ المشروع بالتقسيم الثلاثي لاختصاصات الجهة كما وردت في قانون أبريل 1997، مع تغيير جوهري في ما يتعلق باختصاص إمكانية إبداء الآراء وتعويضه باختصاصات مشتركة مع الدولة وحافظ على الاختصاصين الآخرين، ذاتية ومنقولة من الدولة، إذن لا يوجد تعديل أساسي في اختصاصات الجهة على مستوى الشكل، وهذا يعني أن الدولة ستحتفظ بأهم الاختصاصات والصلاحيات وستمنح للجهة الاختصاصات التدبيرية المحضة في إطار الاختصاصات الذاتية، على اعتبار أن الدولة ستكون حاضرة في نوعين من الاختصاصات المشتركة والمنقولة، بمعنى أنه لابد من توسيع من الاختصاصات الذاتية وتقليص الاختصاصات المشتركة والمنقولة.
أما على مستوى المضمون، فقد حافظ دستور 2011 للجهة على أهم اختصاص وهو تحقيق التنمية الجهوية، وهو اختصاص كان ممنوحا لها بمقتضى قانون أبريل 1997، وهناك غموض وعمومية اختصاصات الجهة، فباستثناء بعض الاختصاصات، فإن جل الاختصاصات الأخرى مبهمة وعامة، مع أنها تدخل ضمن صنف الاختصاصات الذاتية للجهة، فقد استعملت بشأنها تعابير مختلفة، من قبيل إعداد، القيام، اتخاذ الإجراءات، واعتماد جميع التدابير والسهر وغيرها، ثم ما معنى القيام؟ وما يدل على عموميتها كذلك استعمال المشروع تعبير «ولاسيما» الذي يفيد بأن الباب مفتوح لاختصاصات أخرى، فالمفروض أن الاختصاصات الواردة في هذا الفصل والتي سميت ذاتية أن تكون اختصاصات تقريرية، ولكن بالتعابير التي وردت بها، لا يمكن أن تكون كذلك.

هناك مقتضى جديد ورد في القانون التنظيمي للجهات، يتعلق بالمراقبة الإدارية بدلا عن ممارسة الوصاية التقليدية من طرف الولاة على رؤساء الجهات، هل هذا يعني تخلي الداخلية عن بعض سلطاتها لفائدة الجهات؟

علاقة الدولة بالجهة كجماعة ترابية: وصاية أم رقابة أم مصاحبة، الأساس الذي انبنت عليه اعتبار الجهة في مستوى أول شخص اعتباري عام خاضعا للقانون العام، يسير شؤونه بكيفية ديمقراطية، واستقلالية الجهة هي استقلالية وظيفية، من خلال مبدأ التدبير الحر الوارد في الفصل 136 من الدستور، ومنح الجهة السلطة التقريرية وكذلك السلطة التنفيذية، كما أنها استقلالية مالية، يكرسها الفصلان 135 و141 من الدستور.
حقيقة إن القانون كرس توجها نحو مراجعة علاقة الدولة بالجهة كجماعة ترابية، إلا أن حجم ونوعية هذه المراجعة، تبدو مبهمة وإن كانت هناك مؤشرات لجهة أكثر استقلالية، وثمة مواد بالقانون التي تعزز المراقبة البعدية وتحديدا المراقبة القضائية المالية والإبقاء على المراقبة القضائية لشرعية القرارات، مع التأكيد على اختصاص المحاكم الإدارية دون غيرها.

محمد اليوبي/فلاش بريس.