لم تعد ملفات غلاء الأسعار وارتفاع معدلات والفقر والبطالة والفساد المتمثلة فيما باتت تعرفه المحاكم من متابعات قضائية في حق عديد المنتخبين المفسدين من رؤساء مجالس جماعية ورؤساء جماعات ترابية وبرلمانيين، هي وحدها ما يشغل بال المواطنين خلال الشهور الأخيرة، بل انضافت إليها أزمة طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، التي ظلت تتدحرج ككرة ثلج على مدى أزيد من عشرة شهور، دون أن يتمكن وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار المحسوب على حزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف ميراوي ولا مختلف الوساطات من إيجاد الحل الأنسب لها والخروج من النفق المظلم.
إذ رغم ما عرفه قطاع التعليم عامة والتعليم العالي بصفة خاصة من مشاكل وأزمات متتالية خلال السنوات الماضية، فإن التعليم العالي لم يعرف أزمة مثل التي تعيش على وقعها كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، جراء قرار الحكومة الانفرادي القاضي بتقليص سنوات التكوين من سبع سنوات إلى ست سنوات، مما أدى إلى إشعال فتيل الاحتجاجات والإضرابات بين جميع الطلبة بالكليات المعنية، الذين فضلا عن رفضهم القاطع للقرار الحكومي يطالبون كذلك بزيادة التعويضات على المهام وإعادة الموقوفين من زملائهم وما إلى ذلك من مطالب أخرى مشروعة.
ففي ظل تدهور الوضع الدراسي بكليات الطب في القطاع العام، يحمل الكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن التربوي ببلادنا المسؤولية للحكومة في شخص الوزير الوصي عبد اللطيف ميراوي الذي يفترض فيه الإسهام بفعالية في الوصول إلى حل عادل ومنصف، عوض أن يكون جزء من الأزمة التي ما انفكت تتفاقم بشكل مقلق، في ظل تصاعد موجة الاحتجاجات التي يخوضها أطباء المستقبل، وزاد من تأجيجها اعتماد الحكومة المقاربة الأمنية بدل الحوار الجاد والمسؤول، ولاسيما بعد الاعتداء العنيف على الطلبة المعتصمين أمام كلياتهم في العاصمة الرباط وغيرها من المدن المغربية، وما ترتب عن ذلك من إصابات بليغة واعتقالات واسعة في أوساط الطلية ودخول الملف إلى أروقة المحاكم.
وفضلا عن فشل الوزير في إدارة الأزمة المستمرة منذ حوالي سنة وتعريض مستقبل تعليم الطب في المغرب لعواقب وخيمة، تضع هذه الأزمة الحكومة أمام مسؤولية وطنية لعدم قدرتها على التعامل الجيد معها، بل ذهب البعض إلى اعتبارها جريمة سياسية تستدعي إقالة الوزير ميراوي،لما ترتب عنها من تكلفة ثقيلة على عدة أصعدة منها الضغوطات النفسية على الطلبة وعائلاتهم، وانعكاسها على سيرورة المنظومة الصحية التي تقتضي التعاطي الجاد وتعزيز مبدأ التشاركية والاستجابة الفورية لمطالب الطلبة.
وضدا على ما أعلنت عنه الوزارة الوصية مساء يوم الإثنين 30 شتنبر 2024 حول اتجاه كليات الطب نحو اتخاذ عدة إجراءات على مستوى شعبة الطب، علما أن وسيط المملكة مازال لم يتوصل بعد إلى تسوية نهائية مع ممثلي بعض الطلبة المنقطعين عن الدراسة، وأوضحت في بلاغ لها بأنه تقرر تمكين الطلبة الذين اجتازوا امتحانات الفصل الأول في دورة 5 شتنبر 2024 من استكمال امتحانات الفصل الثاني خلال دورة استثنائية خاصة ابتداء من يوم الجمعة 4 أكتوبر 2024.
فإن الطلبة مصرون على الاستمرار في مقاطعة الدراسة والامتحانات، متهمين الوزير ميراوي بعرقلة كل الوساطات ورفض إنهاء الأزمة، لما يقوم به من تفجيرلكل الجهود المبذولة سواء البرلمانية أو تلك المتعلقة بمبادرة وسيط المملكة، الذي توصل إلى تسوية الملف المطلبي لشعبة الصيدلة. وفي انتظار التوصل بجواب من وسيط المملكة بخصوص المقترحات الأخيرة، سارعت لجنة الطلبة إلى الإعلان عن عزمها الأكيد على تنظيم إنزال وطني يوم السبت 5 أكتوبر 2024، احتجاجا على المنع والتضييق والمتابعات وعدم تلبية مطالب الطلبةالعادلة والمشروعة، داعية أمهات وآباء الطلبة وجميع حساسيات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والطلابية للانخراط في هذا الحدث الهام لمزيد من الدعم والتضامن.
وبما أن الأزمة بلغت إلى الباب المسدود وأصبحت الحظوظ ضئيلة في إيجاد الحل المرضي للطرفين، بسبب تصرفات الوزير ميراوي غير السليمة، الذي يسير على خطى زميله في الحزب والحكومة الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، من حيث العجرفة والاعتزاز الزائد بالنفس وعدم القدرة على إدارة الحوار المثمر، اضطرت عائلات الطلبة التي انتابتها حالة من الشعور باليأس والقلق على مستقبل أبنائها، إلى التوجه نحو أعلى سلطة في البلاد الملك محمد السادس، تلتمسمنه التدخل العاجل من أجل إعادة الأمور إلى نصابها، في انتظار أن يتم إعفاء الوزير إذا ما كان هناك تعديل حكومي وشيك، مادام عاجزا عن التحرك الإيجابي في اتجاه حل الأزمة القائمة.
إن ما يحدث من توتر عميق وهدر للزمن في أوساط كليات الطب بالمغرب على مدى عشرة شهور، يدعو أصحاب القرار إلى وقفة تأمل كبيرة والبحث عن السبل الكفيلة بحل هذه الأزمة التي طال أمدها، تفاديا لما من شأنه أن يعرض المغرب لخسارة كبرى في مجال الطب، وإلى الانكباب على مراجعة المعايير المعتمدة في اختيار المسؤولين الحكوميين.
اسماعيل الحلوتي