آيث بوعياش: تقرير مفصل حول ندوة: ابن رشد الحفيد: الفيلسوف و الطبيب

في إطار النهوض بثقافة حقوق الإنسان في الفضاء المدرسي و الإسهام في رفع مراقي المعرفة و الفهم و التحليل للناشئة المدرسية؛ و انسجاما مع البرنامج المسطر من قبل نادي التربية على المواطنة و حقوق الإنسان للموسم الدراسي 2016 ـ 2017، احتضنت قاعة المطالعة و الأنشطة الموازية بثانوية ابن رشد التأهيلية بآيث بوعياش يوم الجمعة 24 فبراير 2017 ابتداء من الساعة الثانية و النصف بعد الزوال؛ النسخة الثانية _ لهذا الموسم _ من المائدة العلمية الشهرية، حول موضوع :ابن رشد الحفيد: الفيلسوف و الطبيب، من تأطير، السادة الأساتذة: رشيد المساوي: أستاذ لمادة الفلسفة و باحث في العلوم الإنسانية و الاجتماعية ؛ في محور: هل نحن في حاجة إلى ابن رشد؟، إبراهيم بوحولين: أستاذ لمادة التربية الإسلامية، و طالب باحث في سلك الدكتوراه ؛ في محور: جوانب من حياة و فكر ابن رشد.

و قد افتتح السيد فوزي أكراد – مدير الثانوية و رئيس الورشة الحقوقية – هذه الندوة العلمية بالشكر و الامتنان لحضور الأستاذين عبد الرشيد الموساوي و إبراهيم بوحولين، كما تقدم بالشكر للسادة الأساتذة الحاضرين و أعضاء الهيئة الإدارية و ضيوف الندوة؛ منبها إلى حاجة ناشئتنا الماسة للاطلاع على فكر ابن رشد و سيرورة فكره و حياته. و قبل الشروع في المداخلات العلمية، تفضل السيد رئيس الورشة بعرض شريط وثائقي حول حياة مفكر قرطبة و مساره العلمي المازج بين الطلائعية و النكبة.

بعدها حول الكلمة للمتدخل الأول الأستاذ إبراهيم بوحولين في الموضوع المذكور أعلاه، حيث كانت مداخلته مقسمة إلى محاور ثلاثة :

أولا: جوانب من حياة ابن رشد: وفيه تحدث عن نسب ابن رشد الحفيد والعصر والمحيط الاجتماعي والسياسي الذي عاش فيه، ثم عن حياته داخل قصر الموحدين وأثر ذلك في تكوينه العلمي الذي شمل مجالات شتى: الفلسفة والطب والفلك والفقه والأصول …، ثم انتقل للحديث عن خوض فيلسوف قرطبة تجربة شرح مؤلفات أرسطو التي جاءت بطلب من أمير الموحدين ابي يعقوب المنصور، والتي قاربت المائة كتاب بين الشرح والاختصار والتعليقات

ثانيا: محنة ابن رشد: أشار فيه إلى أن الروايات التاريخية قد اختلفت في السبب الحقيقي الذي كان وراء نكبة ابن رشد ونفيه الذي دام ثلاث سنوات وحرق كتبه، وساق في ذلك أقوالا وروايات، ليخلص إلى أن للسياسة دورا بارزا في نكبة فيلسوف الفردوس المفقود يلحظه كل متتبع لما كتب عن النكبة.

المحور الثالث: مؤلفات ابن رشد الكلامية : حيث تحدث عن القيمة المعرفية لكتب ابن رشد التالية : فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، الذي سعى فيه للتوفيق بين الدين الإسلامي والفلسفة، وكتاب : الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، الذي يعتبر وثيقة مهمة حسب المحاضر في الوقوف على مكامن الخلل التي وقعت فيها المدارس الكلامية المعروفة ( الاشاعرة والمعتزلة)، كما تحدث عن كتاب : تهافت التهافت الذي خصه أبو الوليد لنقد نقد الغزالي للفلاسفة المسلمين الذين سبقوه، وعلى رأسهم: الفارابي والكندي وابن سينا

ليختم الاستاذ المحاضر كلمته ببعض المقولات والحكم التي أثرت عن الفيلسوف أبي الوليد ابن رشد الحفيد

من جهته تفاعل الأستاذ مع المداخلات التي وصفها بالقيمة، حيث أجاب عن دعوى كون الغزالي قد وقف في وجه العلم والفلسفة، وعن عزوف ابي الوليد عن اعتماد السنة النبوية كمصدر للتشريع

أما الأستاذ عبد الرشيد المساوي فقد استهل عرضه القيم ـ و الذي تعمد فيه اتباع منهج كتابة الإنشاء الفلسفي ليستفيد التلاميذ – بمقدمة وضح فيها المقصود بسؤاله، و مبرزا طابعه الإشكالي حيث تساءل عن الفائدة من الإطلاع على فكر ابن رشد عامة و فلسفته خاصة بعد مرور تسعة قرون عليه. في مرحلة التحليل أبرز أن واحدة من الأطروحات الأساسية في فكر ابن رشد هو قوله بوحدة الحقيقة و اختلاف سبل بلوغها، مبينا أن لا وجود لأي تناقض بين الفلسفة و الدين على مستوى الجوهر. ثم أبرز أن الغاية من دفاع ابن رشد عن الحقيقة البرهانية الموصلة إلى اليقين هي؛من جهة مواجهة التحدي الداخلي المتمثل في انقسام الأمة الإسلامية إلى فرق دينية و كلامية متصارعة تهدد وحدة المجتمع و تضعفه، و من جهة أخرى مواجهة التحدي الخارجي المتمثل في اصطدام الدين الإسلامي بثقافات الشعوب الأخرى التي تتعارض مع كثير من معتقداته، لذلك دافع عن وحدة العقل البشري من خلال دفاعه عن المنطق البرهاني في الفلسفة … ثم انتقل بعد ذلك ليبين أهمية هذه الأطروحة و حاجتنا إليها طالما أن التشرذم و الصراع الداخلي في المجتمع الإسلامي ما يزال قائما و أصبح أكثر حدة، فكل مذهب يدعي أنه يقدم الفهم الصحيح للدين و يحارب المذاهب الأخرى (الصراع السني/الشيعي نموذجا) و الأخطر من ذلك أن المسلمين أصبحوا في موقع ضعف عكس ما كان عليه الأمر زمن ابن رشد، بسبب توقف التفكير الفلسفي لديهم و انتقاله إلى غيرهم عبر طرد ابن رشد و احراق كتبه. ليخلص من كل ذلك إلى وجود ترابط و تلازم بين التقدم و حضور الفلسفة.

أما في مرحلة المناقشة، فقد تساءل صاحب العرض عن حدود صلاحية فلسفة ابن رشد، مبينا أن الدعوة إلى قراءتها ليس معناها تقليدها و إنما الاستفادة من تراكم الذي حققته، قصد استئناف التفلسف في أرض الإسلام على قاعدة صلبة؛ مع ضرورة الانفتاح على ما تحقق في الفلسفة الحديثة و المعاصرة كما فعل ابن رشد مع فلسفة اليونان. و توقف هنا بشكل مقتضب مع فلسفة كانط التي تدعو إلى فصل مجال الدين عن مجال الفلسفة و وضع حدود للعقل لا ينبغي أن يتخطاها، باعتبارها أطروحة مناقضة لأطروحة ابن رشد أسست لاحقا لما أصبح يعرف بالعلمانية التي تفصل مجال المطلق عن مجال النسبي، و مجال العقائد عن مجال المصالح.

و في نهاية العرض، خلص إلى خاتمة تركيبية بين فيها أن الحاجة إلى ابن رشد معناها ربط الماضي بالحاضر لإبداع أجوبة جديدة تستند على العقل و الحجة، و تنبني – كما فعل ابن رشد ـ على محاورة الذات و الغير بما يسمح بتعايشهما، بعيدا عن تقليد هذا أو ذاك بما يكرسه من جمود. داعيا في الأخير إلى ضرورة الاعتراف بالخطأ و إنصاف ابن رشد و المصالحة مع فكره إذا أردنا أن يكون لنا موقع في عالم اليوم.

و بعد المناقشة المستفيضة و الغنية بالتساؤلات و الإضافات العلمية، قدمت شواهد التقدير و المشاركة للسادة الأساتذة المؤطرين، و نظم حفل متواضع على شرفهم و شرف الحضور.

مقررالورشة : منسق نادي التربية على المواطنة و حقوق الإنسان

ذ.إبراهيم مومي