(…كان على كل من يرغب الدخول إلى المجال القبلي الورياغلي، أن يتصل بسيذي امحند أوموسى أولا ويطلب منه الإذن بذلك…) دافيد هارت في كتابه “أيث وياغر” ص. 284
1- نـــســـبــه:
حسب ما يُتداول شفويا عبر أجيال عدة، وانطلاقا من بعض الشذرات المكتوبة وعدد من الوثائق المخطوطة، فإن امَحمد بن موسى الصغير الدردوشي الغِلَبْزوري المعروف محليا بسيذي امحند أُومُوسى، هو ابن أحمد بن موسى ابن امحمد (الكبير) بن عبد الرزاق، ابن بوبكر(بوكر) بن عمر بن عيسى ابن عبد الكريم، بن عبد العزيز(إمام القرويين) بن العباس بن الفضيل بن إسحاق بن يحيى، بن مطهر بن إبراهيم (الأعرج) بن أحمد بن عبد الله السكناوي (السبتاوي)، بن ياسين (ياسون) بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الكريم، بن محمد بن عبد السلام (القطب) بن مشيش بن أبي بكر، بن علي بن حرمة بن عيسى بن سلام بن السيد مزوار، بن أحمد (حِدار) بن محمد بن إدريس الثاني (الأنور) بن إدريس الأول (الأكبر)، بن عبد الله (الكامل والمحض) بن الحسن (المثنى) بن الحسن الأول (السبط)، بن علي كرم الله وجهه وفاطمة الزهراء رضي الله عنها، ابنة الرسول (ص) الذي ينتهي نسبه عند عدنان.
2- حـــيــاتــه:
لاتوجد معطيات في المراجع التي اطلعنا عليها بخصوص تاريخ ميلاده، رغم إن سنة وفاته معروفة بالتاريخين الهجري والميلادي، غير إن منظومة عمنا الريسولي الحاج محمد بن عبد السلام، تشير إلى أن ولادة الولي الصالح سيذي امحند أُومُوسى، كانت في آخر القرن الحادي عشرالهجري/السابع عشر الميلادي، دون تحديد يوم ولا تاريخ ولادته، بخلاف تاريخ وفاته المذكور بالوقت واليوم والشهر، ورد في المنظومة المذكورة:
السيد امْحمد ولد آخر القرنِ إحدى عشَرْ هجري له مَقرّانِ
الأول بأيث هشامْ والثاني بتشثوين جبل احمامْ دون ميْنِ
توفي أثناء صلاة المغربِ تسع شوال ندًّ قَرْنٍ يبِّ
ودفن ثََمّ بمسقط رأسهْ بجبلِ بوحموذ لامريةَ فيهْ
فالبيت الأخير يشيرإلى إنه ولد بجبل بوحْمّوذ حيث دفن، ولهذا الولي الصالح زاويتان: الأولى أسسها سنة 1220 هـ موافق 1805م ببوحْمّوذ بأيث هشام، والثانية سنة 1230هـ موافق 1815م في تشثيوين بجبل احمام قرب أغيل البوزدوري، وكان رجلا صالحا نزيها لاحاجة له في حطام الدنيا ومرابطا برباط المجاهدين بأجدير، وظل يحمسهم للجهاد و ينفق عليهم من ماله حتى وافته المنية يوم الأربعاء أثناء صلاة المغرب، ودفن يومه الخميس بعد صلاة المغرب بتاريخ تاسع شوال عام 1254هـ موافق 26 دجنبر1838م، قرب سكناه ومقر والده موسى المذكورسابقا، وهذا يتوافق مع ما ذكره الأنثروبولوجي الأمريكي المعروف في كتابه الشهير حول أيث ورياغل، إذ يقول في الصفحة 285:(…علمنا من أحد مستجوَبينا أن تاريخ وفاة سيذي امحند أوموسى يعود إلى سنة 1254هـ موافق 1838م، وقد دفن في مكان يطلق عليه اسم “ذاعرو(ر)ث ن اشو(ر)فا” أي “ربوة الشرفاء” في أيث هيشم، حيث دفن أبناؤه وأحفاده بمن فيهم حفيده سيذي مسعوذ ن صديق…) وكان متزوجا حسب تلك المنظومة دائما، بزوجة واحدة اسمها حليمة من زاوية سيذي يوسف، وأنجبت معه سبعة أبناء (وقيل ثمانية)، ماتوا كلهم صغارا في قصة طويلة ماتزال تروى، باستثناء أحدهم يدعى سيذي صديق، الذي وافته المنية في شهرشعبان 1266هـ الموافق ليونيو1850م، ومن هذا الأخير تفرع أحفاد سيذي امحند المقيمين بأيث هشام وثشثيوين وبالسواني على شاطئ البحرالأبيض المتوسط، وكذا بقبيلة اﯖزناية (يدعون هناك بأولاد سيدي أحمد البوهالي) وبالحسيمة وتطوان؛ غير إن الأستاذ البوعياشي في الصفحة 237 من الجزء الأول من كتابه (حرب الريف التحريرية ومراحل النضال)، أشارإلى ابن آخر لسيذي امحند اسمه محمادي لم يعقب أحدا، وهو مدفون بمقبرة سيدي امحمد وعلي (امحند وعري) بأجدير.
وبعد وفاته خلفه ابنه سيذي مسعوذ صاحب سوق اثنين النساء (رْثنيْن نْذمْغَارين)، الذي وافته المنية يومه الأحد أواسط شهر شعبان سنة 1288هـ الموافق لأواخر أكتوبر1871م، تاركا ابنين هما سيذي محمد وسيذي أحمذ المعروف ببورجيلة، صاحب سوق أربعاء سيذي بوعفيف (أبي حفاف) والمتوفى صبيحة يومه الأربعاء عند الضحى 16 جمادى 1341 هـ الموافق ل 4 ينايرأو فبراير1923م، وهو والد عبد السلام بورجيلة الذي توفي يومه الأحد 24 جمادى 1335 هـ الموافق ل 18 مارس أو أبريل 1917م بسوق الأحد نثيسارمع خمسة من أصحابه في قصة مشهورة.
ولابد لنا في هذا المقام من ذكر أبرزكرامات هذا الولي التي عرف بها، والتي ماتزال الذاكرة الشعبية تحتفظ بها لحد الآن، فإضافة إلى إن دعواته ماضية مثل السيف ولا تخطئ أبدا، هناك قدرته على أن يتواجد في مكانين مختلفين في الزمن نفسه، وهو نفس ما ذهب إليه الأمريكي دايفيد هارت في مؤلَّفه السابق الذكر، حيث يقول في صفحتي 282 و283:(من الأولياء الآخرين المشهورين بكراماتهم نذكر…وسيذي امحند أُوموسى الذي يوجد ضريحه في أيث هيشم، والذي يعتقد أنه كان بمقدوره التواجد في مكانين مختلفين في نفس الوقت…)، ويزيد في تأكيد ذلك في صفحة أخرى (285) موردا بعض التفاصيل حول هذه المسألة، يقول: (…يروى عن هذا الولي أيضا، أنه كان يغيب عن الأنظار أحيانا لأيام عدة ثم يظهر فجأة، فقد كان يوما معتقلا ومكبلا بالأصفاد في مدينة فاس، غير إن الورياغليين فوجئوا عندما توجهوا للصلاة بوجوده وسطهم، وقد اندهشوا للأمر لأنه كان في المكانين في نفس الوقت).
3- زاويـــتـــه وضــريـــحـــه:
كما أسلفنا الذكر، فزاوية سيدي امحمد بن موسى قد تم تأسيسها من قبل الولي المذكور سنة 1220هـ، حسب ما هو وارد في مخطوطة الغِلَبْزوريين، وهذا ما يتوافق مع ما ورد في الصفحة 236 من كتاب البوعياشي (حرب الريف التحريرية) من إنه أي سيذي امحند، ظهر بفرقة إمْرابْظنْ (المرابطين) في أواخر القرن 11 هـ /17م، يقول: (…وبنى زاوية بجبل آل هشام على الضفة الغربية لوادي غيس، وملك الأراضي على تلك الضفة وعمرها وازدهرت زاويته ازدهارا كبيرا، وكانت ملجأ للمتعبدين الصالحين كما كانت مرجعا لفض النزاعات التي تقع بين عائلات القبيلة، وأصبحت رياسة المرابطين ترجع إليها…) ، نفس الشيء أكده الأنثروبولوجي الأمريكي دايفيد هارت في صفحتي 285-284 من كتابه حول أيث ورياغر، حيث ذكر بأن سيذي امحند تدخل بشكل ناجح لفض نزاع حاصل بين كل من أيت توزين وثمسمان من جهة، وأيث ورياغر من جهة أخرى، سببه وادي النكور الذي يغير مجراه باستمرار، لذلك حلاّه في الصفحة 284 بقوله:( وكان أفضل من يفض الخلافات ويحل كل النزاعات القبلية، سواء منها الداخلية بين قسماتها أو الخارجية بين قبائل أخرى). كما إن البوعياشي لم يذكر لنا المنهاج التعليمي الذي كان متبعا في رحاب الزاوية، ولا حتى أسماء الأساتذة الذين كانوا يُدرّسون هناك، إذا استثنينا إشارة يتيمة وردت في الصفحة 67 من مؤلّفه السابق حيث يقول:(…وفي زاوية آل هشام كان يتولى التدريس فيها القاضي النوازلي السيد محمد الشركي عميد عائلة الشركيين) ، كما إن هناك إشارة أخرى إلى هذه الزاوية في الصفحة 61 – 62 من نفس الكتاب إذ يقول:(…زاوية سيدي امحمد الصغير بقرية آل هشام، وهي زاوية فضلا عن وظيفتها الدينية، كانت لها جولات في السياسة المحلية، بفضل حفيده سيدي أحمد بورجيلة)؛ هذا الأخير اعتصم ذات يوم قبل حرب الريف بزاوية جده سيذي امحند، هروبا من أولائك الذين أحرقوا داره وأمتعته، دون أن نغفل في هذا السياق، عن المؤتمر المهم الذي عقده محمد بن عبد الكريم الخطابي بالزاوية المذكورة، في بدايات حرب الريف التحريرية، حضره زعماء قبيلة أيث ورياغل وبقيوة وأيث عمارت وتارﯖيست.
إن ازّاوِيثْ ن سيذي امحند قد اختير لها أثناء إقامتها موقعا استراتيجيا، ولهذا السبب تحديدا قيل لنا بأن المقاومة الريفية نَصَبت أحد مدافعها قرب الموقع المذكور، وحسب الروايات الشفوية المتواترة، كانت تقام برحاب الزاوية احتفالات خاصة بعيد المولد النبوي الشريف، إلى جانب إقامة أكبر حفل ختان جماعي للأطفال بالمنطقة، يحضره حشد كبير من ساكنة المنطقة بل وحتى من مناطق بعيدة، زد على ذلك تقديم الصدقات (تكون غالبا على شكل طعام) في بعض المناسبات مثل ليلة القدرالمباركة وعيدي الفطروالأضحى. وفي هذا الصدد يقول دايفيد هارت في الصفحة 286:(…وقد استمرت زيارة الورياغليين لسيذي صديق كما كان الأمر بالنسبة لأبيه، وذلك خلال عيد المولد النبوي من كل سنة، حيث كانوا يحضرون هباتهم، أي “الزيارة” وينظمون “ذْويزة” أي حملة جماعية تطوعية لتنظيف مقرالزاوية وترميمها وصباغة جدرانها…) ، نفس الشيء تورده الباحثة الغلبزوري الزهرة في إحدى مقالاتها إذ تقول:(… وموسم سيذي امحند الذي كان يقام احتفالا بعيد المولد النبوي الشريف، حيث كانت تحج إليه القبائل المجاورة في طقوس احتفالية بهيجة، والذي كان يحتضن أكبر عملية ختان جماعية للأطفال)، وهذا يتوافق إلى حد كبير مع ما تزال ترويه العجائز والساكنة المجاورة للضريح لحد الساعة، من إن وفودا عدة من أيث قمرة وأيث بوعياش وإزفزافن وتماسينت وأجديرومن تمسمان وغيرها، يقصدون سيذي امحند بمناسبة حلول ذكرى عيد المولد النبوي، ويبيت بعضهم أحيانا بالزاوية التي كانت بها بعض الغرف، مصطحبين معهم ما سيذبحونه من البهائم، بحيث يطهى الطعام في غرفة خاصة بذلك، توزع على إثرها لحوم الصدقة على جميع الزوار والحاضرين في أجواء احتفالية روحانية، أما أموال الصندوق فتخصص حصريا لأبناء وأحفاد الولي، كما إن الطلبة أو “اطّورْبَة” القادمين من مختلف المناطق يظلون طيلة تلك المدة المعلومة، يتلون القرآن الكريم ويُصَلّون على الرسول (ص) عبرأوراد وأذكارمختلفة، أضف إلى ذلك إنه كانت تقام عملية ختان جماعية للأطفال بالطريقتين التقليدية والعصرية، تحت إشراف “أحْجّام” نظير السي موحْندْ أُبُوعيّاش والحاج السي امْحْمّد من أزغاروغيرهما، وكل هذا لايمكن أن يتم بالشكل المطلوب دون حضور”رْمقْدمة” الضريح، وتحتفظ لنا الذاكرة الشعبية في هذا الصدد باسم زْهْرة ذِسْمغْث (السوداء) المتوفاة سنة 1952م، وفطّوش نْسْعِيذ التي توفيت حوالي سنة 2002، غير إن هاته الاحتفالات ما لبثت أن توقفت تقريبا سنة 1977م أو بعدها بقليل.
وحسب بعض الروايات، فقد سبق أن قصفت الزاوية من قبل المستعمرالإسباني وهذا مما لانستبعده، لأنها كانت مهوى أفئدة الساكنة وبوتقة انصهار مشاعرهم الدينية، مما يؤشر على أن (الشيوخ الغلبزوريين لم يكونوا منعزلين في زواياهم، بل على العكس من ذلك كانوا مندمجين في الحياة الاجتماعية والسياسية)، ويبدو أن الأستاذ الطيبي كان محقا حين تحدثه عن ندرة المصادر بخصوص الزوايا، في معرض حديثه عن هذه الزاوية بالذات، حيث قال في الصفحة 242:(…ولايمكن إخفاء الصعوبة التي يصطدم بها كل من حاول تقديم التفاصيل عن الزوايا بسبب ندرة المصادر…).
أما ضريحه الذي يتواجد على مرتفع يعرف “بربوة الشرفاء”، فتعلوه قبة بيضاء تلفت الانتباه إليها من مسافة بعيدة، ورد في المنظومة:
ودفن ثََمّ بمسقط رأسهْ بجبل بوحموذ لامريةَ فيهْ
له قبة تعلوه بيضاءَ تُرى بعيدا في قمة حمراءَ
وحسب إحدى الوثائق، فداخل ضريح سيذي امحند هناك ثلاثة قبوروليس قبرا واحدا كما يبدو في الظاهر، حيث نجد ضريح الولي الصالح في الوسط مغطى ب” ادَْربوزْ”، الذي هو عبارة عن تابوت (صندوق خشبي كبير) وضع فوق القبر مباشرة، وهذا الأخير مغطى بدوره بأثواب ملونة مختلفة، تسمى بالكسوة أو “اركْسوثْ” حسب النطق المحلي، وعلى يمينه أي جهة الغرب يتواجد ضريح القائد سيذي محمد بن سيذي عبد السلام بن سيذي صديق المتوفى يومه الخميس عند صلاة المغرب، ودفن يومه الجمعة عند صلاة الظهر بتاريخ 15 شعبان 1305 هـ موافق 27 أبريل 1888م، بينما على يساره جهة القبلة نجد قبر حفيده سيذي محمد بن سيذي صديق الذي وافته المنية سنة 1306 هـ الموافق لأواخر1888م. وعلى مقربة من الضريح نجد ضريحا آخرأصغر من الأول عليه قبة كذلك، لحفيده سيذي مسعود بن سيذي صديق أب السيد أحمد بورجيلة. ولايمكن أن نغفل هنا ما تورده الرواية الشفوية، من إن سيذي مسعوذ هو الذي أشارعلى ساكنة “إزْفْزافنْ” بالسكن في تلك المنطقة التي ظلوا يتواجدون بها لحد الآن، وربما لهذا السبب كانوا كثيرا مايقصدون في موكب عظيم يسبقه الشيوخ والأطفال، ضريح هذا الولي وجَدّه سيما في شهري أكتوبرومارس من كل سنة، للتبرك بهما والتضرع إلى الله لإغاثتهم بالمطر، وكانوا سرعان ما ينعم عليهم رب العباد من خيره العميم حتى قبل أن يقفلوا راجعين إلى ديارهم، كما كانت النساء كل يوم خميس يقدمن ذبائحهن صدقة، لزوار ضريحي سيذي امحند وحفيده سيذي مسعوذ، وتتوسلن بهما إلى الله للشفاء من بعض الأمراض المستعصية، أوطلب الزواج للعانس أو إنجاب مولود ذكر إلى غير ذلك.
4- سيدي امحند وشرفاء المنطقة من خلال “إزران”:
إن من تجليات الارتباط الوثيق بالولي وحضوره المستمرفي المخيال الجماعي، سواء للساكنة المجاورة أو قاصديه من مناطق نائية، أنْ تم ذكره في المُردّدات الشعبية المعروفة محليا ب “إزران”، جاء في أحدها:
سيذِي امْحْند أسيذِي ذاقَاقاش أمْرْكاسْ نْطّالَبْ إسيذابِّي كُرْعام أدْنْتاسْ
وترجمته: سيدي امحند يا سيدي إنه مزركش مثل الكأس، نلتمس من الله أن نقصده كل سنة، وفي رواية أخرى: مَارَا أًًُوّيغْ أريضَا كُرْعام أدْنْتاسْ، مع الإبقاء على نفس ملفوظ الشطر الأول، وقد قصد بالقول “ذاقاقاش أمركاس” زينة الضريح من الداخل حيث نجده مغطى بالزليج. ونظرا لأن الولي المذكور كان محبا للاحتفالات، فإن ذلك يشكل متنفسا ضروريا لنساء تلك المرحلة، اللواتي التمسن بصدق من الله العودة إلى زيارة الضريح كل سنة، أضف إلى ذلك إنها فرصة سانحة للظفر بزوج المستقبل من بين الشبان المتواجدين هناك، مما يفسر مضمون الشطر الثاني من البيت الثاني: لو لم أتزوج حبيبي سنظل نقصدك كل سنة.
وورد في بيت شعري آخر:
سيذِي امْحنْد أسيذِي غاكْ إدْنُوِري سَاوْنْ نُوسيدْ أنْسّنْقسْ ﯕي أشْتُويَ نْرْمْحَايْنْ
وترجمته: سيدي امحند يا سيدي من أجلك صعدنا هذا المرتفع، قصدناك للتخفيف من محننا الكثيرة. وفي قول الشاعر “غاك إدنوري سَاوْنْ”، إشارة بليغة إلى إن موقع الضريح يتواجد بمكان عال ومرتفع، لذلك استعملت هنا لفظة “سَاوْنْ” بصيغة المذكر، للدلالة على مدى صعوبة تسلق ذلك المرتفع، ولم تستعمل لفظة “ذسَاوْنْتْ” بصيغة المؤنث، التي غالبا مايكون الصعود إليها ببذل قليل من الجهد فقط، أما عَجُزُ البيت فيبين أنه كانت هناك علاقة عاطفية قوية تربط الزوار بالولي المدفون، لذلك كانت مجرد زيارة النفوس المكلومة لصاحب الضريح، بمثابة الدواء الشافي والعلاج الكافي لعذابات الذات اللامتناهية، نموذج ذلك حالة الحب التي حار في تفسيرها القدماء والمحدثون على السواء، جاء في أحد الأبيات:
سيذي امحند إبيّضْ سْجّيرْ أُويْتكّسْ أمّنْ رَ ذا ريضَا إذاييرْقفنْ نْش
وترجمته: سيدي امحند المصبوغ بالجير الذي لاينمحي، كذلك الحب الذي أصابني (بدوره لاينمحي).
أما بيت الشرفاء فهومٌضَمّخ بأريج الزاوية (الدينية) ورائحة النعناع الزكية، المتهادية مع النسيم العليل ذات اليمين وذات الشمال، يقول الشاعر(ة) في هذا الصدد:
أذدّاثْ نْشّوفا أرْفواحْ نْزّاِويثْ أرْفوَاح نْنّعنْع أرعِْوينْ إتَويثْ
بيت شعري آخر ينحو نفس المنحى، حيث السعادة تغمر قلوب الذين يلجون بيت الشرفاء، يدخلون وهم مٌضَمّخين بأريج البرتقال حاملين معهم أوراق النعناع، فلولا أهمية حدث الدخول إلى المنزل المذكور ما استحق الإشارة إليه أصلا، فبالأحرى أن تُذكَر لفظة الدخول (نٌذْفِيتْ) لمرتين، إحداهما في الشطر الأول والأخرى في الشطر الثاني:
أذدّاث نْشّوفا نٌذفِيتْ رَذنْشنِينْ نُذفِيتْ سْنّعْنعْ ذرْفوَاحْ نلّشِّينْ
وقد استعمل في بيت آخر صيغة القسم لثلاث مرات زيادة في التأكيد، فقد تناول الزوار طعامهم من مأكل ومشرب ببيت الشرفاء، بل واحتفلوا بشكل جماعي بدون أدنى حرج، يقول الراوي(ة):
والله إِرَا نْشَّا والله إِرَا نْسْوَا والله إِرَا نْعْيَا كِذَدَّاثْ نْشُّوفَا
بيت شعري آخر نجد فيه صدى هذا الاحترام، يتعلق الأمر هذه المرة بشباب الشرفاء، لنتأمل جميعا:
َأإِبِْريغْن نْ شّوفَا مَانَا اسّعْذا غَاكُومْ مَايْمَا ذكّيمْ اسّينِيّا جَارَاكُومْ
أي: ياشباب الشرفاء تمتلكون حظا وافرا، فحيثما تواجدتم تكون الصينية إلى جانبكم. بمعنى إن الشرفاء كانوا يتصدرون مجالس القوم أينما ذهبوا، ومن تجليات هذه الحظوة أن الصينية النحاسية الحاملة لكافة لوازم إعداد الشاي، توضع بين أيديهم دون غيرهم من الجالسين، الأمرالذي يعد قمة الوجاهة الاجتماعية في ذلك الوقت، كيف لا وهم يتحكمون بزمام الأموروسيقومون بإعداد الشاي.
ولم يقتصر هذا المديح على “إبْرِيغنْ نْ شّوفا” فقط، بل امتد ليشمل أيضا “ذِبْرِيغِينْ نْ شّوفا”، التي احتفظت لنا الذاكرة الشعبية في حقهن بهذه الأبيات، التي تحمل في طياتها أكثر من دلالة:
أذِبْرِيغينْ نْ شّوفا أرْعْنَايْث أُوبَارَاذ وْنّي ٱسّا أُيْمِْريحْن إتْغِيمَا ِﯕرْعْذابْ
فبنات الشرفاء يعتني بهن أهاليهن اعتناءهم الشديد بأباريق (الشاي) اللامعة، فمن لم يسعفه الحظ في التزوج من هاته البيوتات الطاهرة الكريمة، سيكون مصيره حتما العيش في عذاب دائم ومستمر، فهن مُميّزات بين الأخريات بلباس القفطان المتوازية جوانبه مع الأرضية، فلاهي بملامسة لها ولاهي بأعلى منها، وكذا بأيديهن الرقيقة المصبوغة بالحناء:
ذِبْريغِنْ نْشُّوفَا مَاني كُومْغاوْدَّانْتْ اتّحْرِيفْث أُوقَفْطَانْ أَضِضْوْضِين أُوَّانْتْ
هؤلاء الفتيات تتميزن أيضا بالجمال والرزانة ورجاحة العقل، فهن بذلك مؤهلات لدخول عش الزوجية من أوسع أبوابه، وهذا ما يتبدى لنا جليا من خلال إعمالنا النظر في ملفوظ هذين البيتين:
ذِبْريغِنْ نْشُّوفَا رْعْقْرْ أُوكَا رْعْقْرْ وْنِّي إخْسنْ الزِّينْ يوسِيد أذِنَقْرْ
ذِبْريغِنْ نْشُّوفَا رْعْقْرْ أْكُّومْحَانِينْسْ أَوْنّي إِخْسنْ أَذِزْوّجْ إِخْضَا إِوُرِنْسْ