الغبزوري السكناوي
في ظرف أقل من عقد، انتقلت شركة Naviera Armas Trasmediterránea من فاعل رئيسي في النقل البحري بين أوروبا وشمال إفريقيا، إلى واحدة من أكثر الشركات المثقلة بالديون في القطاع البحري الإسباني، هذه التحوّلات لم تكن وليدة اللحظة، بل نتيجة تراكم قرارات مالية وتوسعات غير محسوبة، بلغت ذروتها بعد استحواذ Armas على Trasmediterránea سنة 2017 بمبلغ 260 مليون يورو، ما تسبب في اختلال توازنها المالي وبداية دوامة ديون خانقة.
بحلول سنة 2023، ارتفعت ديون الشركة إلى ما يقارب 600 مليون يورو، منها 441 مليون في شكل سندات مضمونة، و58 مليون يورو كقروض طارئة، و100 مليون يورو ديون بنكية، ومع ضعف مداخيل الخطوط وتراجع الربحية، وجدت Armas نفسها في مواجهة مباشرة مع الإفلاس، ما دفعها إلى اللجوء للمحاكم التجارية لطلب الحماية من الدائنين، حيث وافقت محكمة لاس بالماس بتاريخ 21 دجنبر 2023 على خطة إعادة هيكلة شاملة.
شملت الخطة خفضًا حادًا في الدين العام من 483 مليون إلى 193 مليون يورو، وذلك عبر تحويل جزء من الديون إلى أسهم لصالح الدائنين، وتمديد آجال السداد حتى نهاية 2026، كما ضُخّ مبلغ 75 مليون يورو كتمويل إضافي من طرف حاملي السندات الرئيسيين، وعلى رأسهم مؤسسات استثمارية عالمية مثل JP Morgan وBain Capital وBarings. وبموجب هذه الخطة، استحوذ هؤلاء الدائنون على 94٪ من رأسمال الشركة، فيما احتفظت عائلة Armas بنسبة 6٪ رمزية فقط.
هذا الوضع المالي المُهتز فتح الباب أمام عمليات بيع استراتيجية لأصول الشركة الأكثر ربحية، وهكذا، في يونيو الجاري أعلنت شركة DFDS الدنماركية، المتخصصة في النقل البحري واللوجستيك، عن استحواذها الكامل على الخطوط البحرية الرابطة بين إسبانيا والمغرب، في صفقة بلغت قيمتها نحو 300 مليون يورو، وتشمل هذه الصفقة أهم المسارات الرابطة بين الجزيرة الخضراء وطريفة وموتريل من جهة، وطنجة ومليلية والناظور من جهة أخرى.
تمثل هذه الخطوط أكثر من 60% من أرباح Armas، ما يجعل الصفقة خطوة استراتيجية بالغة الأهمية لـ DFDS التي عززت بها حضورها في البحر المتوسط، ومن المرتقب أن تستفيد DFDS من أسطول Armas وتُعيد تنظيمه ضمن شبكتها الأوروبية، خاصة بعد أن سبق لها الاستحواذ على FRS Iberia/Maroc في صفقة سابقة فاقت 150 مليون يورو.
لكن هذه التطورات أثارت أيضًا مخاوف مشروعة، فمع انتقال أهم الخطوط البحرية إلى ملكية شركة واحدة، أصبح السوق مهددًا بشبه احتكار، قد يؤدي إلى رفع أسعار النقل البحري بالنسبة للجالية المغربية والأسر التي تعبر البحر خلال عملية “مرحبا”، كما أن فقدان Armas لخطوطها في “مضيق جبل طارق” يعني تقلّص المنافسة، خاصة بعد انسحاب بعض الفاعلين المحليين أو انكماش استثماراتهم.
بالموازاة مع ذلك، ظهرت مبادرات محلية في جزر الكناري يقودها رجل الأعمال Vicente Boluda، تسعى إلى تشكيل تحالف من المستثمرين الإسبان لإنقاذ ما تبقى من أصول Armas وإبقائها في ملكية محلية، خصوصًا أن مقر الشركة وتاريخها يرتبطان بالكناريين، لكن إلى حدود اليوم، تبقى DFDS المرشحة الأقوى لإعادة رسم خريطة النقل البحري الإسباني–المغربي.
وفي خضم كل ذلك، تبقى الموانئ المغربية، وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط وموتريل والناظور، هي الساحة الرئيسية التي ستشهد آثار هذا التحول. إذ من المرتقب أن تستفيد من تحسين في وتيرة الرحلات وجودة الخدمات، لكن شريطة أن تُواكب ذلك رقابة تنظيمية مغربية تضمن عدم الإضرار بمصالح الركاب وشركات الشحن المغربية.